الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)
.الطرف الرابع في ذكر جهاته وكوره القديمة وقواعده المستقرة وأعمالها: وفيه مقصدان:المقصد الأول في ذكر جهاته وكوره القديمة:قد قسم المتقدمون الشام إلى خمسة أجناد- جمع جند بضم الجيم وإسكان النون ودال مهملة في الآخر كما ضبطه الجوهري وغيره.الأول جند فلسطين وفلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر. قال الزجاجي: سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح، بلدة كانت قديماً نسبت الكورة إليها. قال أبن حوقل: وهو أول الأجناد الخمسة من جهة الغرب من رفح إلى حد اللجون، وعرضه من يافا إلى أريحا نحو يومين. قال ابن الأثير: وهو كورةٌ كبيرة تشتمل على بلاد المقدس وغزة وعسقلان. قال ابن حوقل: وهي أرخى بلاد الشام.الثاني جند الأردن والأردن بلدة قديمة من بلاد الغور نسبت الكورة إليها، وقد مر ضبطها في الكلام على نهر الأردن عند ذكر الأنهار، وقد نسبت الكورة إليها النهر المتقدم ذكره. قال ابن حوقل: وديار قوم لوطٍ والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وإلى طبرية تسمى الغور: لأنه بين جبلين، وسائر بلاد الشام مرتفعةٌ عليه. قال: وبعضها من الأردن وبعضها من فلسطين.الثالث جند دمشق وسيأتي الكلام عليها في قواعد الشام المستقرة.الرابع جند حمص وسيأتي الكلام عليها في الصفقة الشرقية من صفقات دمشق.الخامس جند قنسرين. قال في اللباب: بكسر القاف وفتح النون المشددة وسكون السين وكسر الراء المهملتين ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ونون في الآخر. قال الزجاجي: وقد روي أنها سميت برجل من قيسٍ يقال له ميسرة، نزلها فمر به رجل فقال له: ما أشبه هذا الموضع بقن سيرين فبني منه اسم للمكان فقيل: قنسرين. وقيل: دعا أبو عبيدة ميسرة بن مسروق القيسي فوجهه في ألف فارس في أثر العدو فمر على قنسرين فجعل ينظر إليها فقال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية. فقال: والله كأنها قنسرين. قال: وهذا يدل على أن قنسرين اسم مكان آخر عرفه ميسرة فشبه به هذا فسميت به.قال ابن الأنباري: وفي إعرابها قولان: أحدهما أنها تجري مجرى قولك الزيدون فتجعلها في الرفع بالواو فيقول هذه قنسرون وفي الخفض والنصب بالياء فتقول مررت بقنسرين ودخلت قنسرين.القول الثاني أن تجعلها بالياء على كل حال وتجعل الإعراب في النون ولا تصرفها.وهي قاعدة من قواعد الشام القديمة على القرب من حلب؛ كان الجند ينزلها في ابتداء الإسلام، ثم ضعفت بحلب وخربت وصارت قرية على ما سيأتي ذكره في الكلام على حلب إن شاء الله تعالى.قال ابن الأثير: وكل جندٍ منها عرضه من ناحية الفرات إلى ناحية فلسطين، وطوله من الشرق إلى البحر، وحكاه في التعريف على وجه آخر فقال: للناس في الشام أقوالٌ، فمنهم من يجعله إلا شاماً واحداً ومنهم من يجعله شامات، فيجعلون بلاد فلسطين والأرض المقدسة إلى الأردن شاماً ويقولون الشام الأعلى؛ ويجعلون دمشق وبلادها من الأردن إلى الجبال المعروفة بالطوال شاماً، ويقع على قرية النبك وما هو على خطها؛ ويجعلون سوريا: وهي حمص وبلادها إلى رحبة مالك بن طوق شاماً؛ ويجعلون حماة وشيزر من مضافاتها. وثم من يجعل منها حماة دون شيزر؛ ويجعلون قنسرين وبلادها وحلب مما يدخل في هذا إلى جبال الروم وبلاد العواصم والثغور وهي بلاد سيس شاماً. ثم قال: أما عكا وطرابلس وكل ما هو على ساحل البحر فكل ما قابل منه شيئاً من الشامات حسب منه. قال: ونبهنا على ذلك كله ليعرف. ثم قال: أما ما هو في زماننا وعليه قانون ديواننا فإنه إذا قال سلطاننا بلاد الشام ونائب الشام لا يريد به إلا دمشق ونائبها.وسيأتي الكلام على حدود ولايته في الكلام على نيابة دمشق إن شاء الله تعالى.المقصد الثاني في ذكر قواعده المستقرة وأعمالها:وهي ست قواعد:كل قاعدة منها تعد مملكة بل كانت كل قاعة منها مملكةً مستقلة بسلطان في زمن بني أيوب.القاعدة الأولى: دمشق:وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:وهي بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون الشين المعجمة وقاف في الآخر. وتسمى أيضاً جلق- بجيم مكسورة ولام مشددة مفتوحة وقاف في الآخر. وبذلك ذكرها حسان بن ثابتٍ رضي الله عنه في مدحه لبني غسان: ملوك العرب بالشام بقوله:وحكى في الروض المعطار تسميتها جيرون- بفتح الجيم وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر- وسماها في موضع آخر العذراء- بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها- وموقعها في أواخر الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في القانون: وطولها ستون درجة وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة.وقد اختلف في بانيها: فقيل نوحٌ عليه السلام؛ وذلك أنه لما نزل من السفينة أشرف فرأى تل حراف بين نهري حراف وديصاف، فأتاه فبنى حراف، ثم سار فبنى دمشق، ثم رجع إلى بابل فبناها. وقيل بناها جيرون بن سعد بن عاد، وبه سميت جيرون. ويقال إن جيرون وبريدا كانا أخوين وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد، وبهما يعرف باب جيرون وباب البريد من أبوابها. وقيل بناها العازر: غلام إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان حبشياً وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان اسمه دمشق فسماها باسمه.وفي كتاب فضائل الفرس لأبي عبيد أن بيوراسب ملك الفرس بناها. وقيل إن الذي بناها ذو القرنين عند فراغه من السد ووكل بعمارتها غلاماً له اسمه دمشقش وسكنها دمشقش ومات فيها فسميت به. وهي مدينة عظيمة البناء ذات سور شاهقٍ ولها سبعة أبواب: باب كيسان، وباب شرقي، وباب توما، وباب الصغير، وباب الجابية، وباب الفراديس، والباب المسدود.وروى الحافظ بن عساكر عن أبي القاسم تمام بن محمد: أن بانيها جعل كل باب من هذه لكوكبٍ من الكواكب السبعة، وصور عليه صورتها، فجعل باب كيسان لزحل، وباب شرقي للشمس، وباب توما للزهرة، وباب الصغير للمشتري، وباب الجابية للمريخ، وباب الفراديس لعطارد، والباب المسدود للقمر. وعلى كل حال فهي مدينة حسنة الترتيب، جليلة الأبنية، ذات حواجز بنيت من جهاتها الأربع؛ وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض، وكذلك الربوة وهي كهفٌ في فم واديها الغربي، عنده تنقسم مياهها، يقال إن به مهد عيسى عليه السلام. وبها الجوامع والمدارس، والخوانق والربط والزوايا والأسواق المرتبة والديار الجليلة المذهبة السقف المفروشة بالرخام المنوع، ذات البرك والماء الجاري. وربما جرى الماء في الدار الواحدة في أماكن منها والماء محكم عليها من جميع نواحيها بإتقان محكم؛ وهي في وطاءة مستوية من الأرض بارزةٌ عن الوادي المنحط عن منتهى ذيل الجبل، مكشوفة الجوانب لممر الهواء إلا من الشمال فإنه محجوب بجبل قاسيون، وبذلك تعاب وتنسب إلى الوخامة. قال في مسالك الأبصار: ولولا جبلها الغربي الملبس بالثلوج صيفاً وشتاء، لكان أمرها في ذلك أشد، وحال سكانها أشق؛ ولكنه درياق ذلك السم، ودواء ذلك الداء. وهي مستديرة به من جميع نواحيه. قال في مسالك الأبصار: وغالب بنائها بالحجر ودورها أصغر مقادير من دور مصر لكنها أكثر زخرفةً منها وإن كان الرخام أقل، وإنما هو أحن أنواعاً. قال: وعناية أهلها بالمباني كثيرةٌ، ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به وتحسن بأوضاعه؛ وإن كانت حلب أجل بناءً لعنايتها بالحجر، فدمشق أزين وأكثر رونقاً لتحكم الماء على مدينتها وتسليطه على جمع نواحيها، ويستعمل في عماراتها خشب الحور- بالحاء والراء المهملتين- بدلاً من خشب النخيل إلا أنه لا يغشى بالبياض ويكتفى بحسن ظاهره. وأشرف دورها ما قرب، وأجل حاضرتها ما هو في جانبيها: الغربي والشمالي.فأما جانبها الغربي ففيه قلعتها؛ وهي قلعة حسنة مرجلة على الأرض، تحيط بها وبالمدينة جميعها أسوارٌ عالية، يحيط بها خندقٌ يطوف الماء منه بالقلعة. وإذا دعت الحاجة إليه أطلق على جميع الخندق المحيط بالمدينة فيعمها؛ وتحت القلعة ساحة فسيحة بها سوق الخيل، على جانب وادٍ ينتهي فيه مما يلي القلعة إلى شرفين محيطين به في جهتي القبلة والشمال، في ذيل كل منهما ميدان ممرج بالنجيل الأخضر، والوادي يشق بينهما. وفي الميدان القبلي منهما ميدان القصر الأبلق- وهو قصرٌ عظيم مبني من أسفله إلى أعلاه بالحجر الأسود والأصفر بتأليف غريب، وإحكام عجيب؛ بناه الظاهر بيبرس البندقداري في سلطنته، وعلى مثاله بنى الناصر محمد بن قلاوون القصر الأبلق بقلعة الجبل بمصر، وأمام هذا القصر دركاه يدخل منها إلى دهليز القصر، وهو دهليز فسيحٌ يشتمل على قاعات ملوكية مفروشة بالرخام الملون البديع الحسن، مؤزر بالرخام المفصل بالصدف والفص المذهب إلى سجف السقوف، وبالدار الكبرى به إيوانان متقابلان تطل شبابيك شرقيهما على الميدان الأخضر، وغربيها على شاطئ وادٍ أخضر يجري فيه نهر، وله رفارف عالية تناغي السحب، تشرف من جهاتها الأربع على جميع المدينة والغوطة.والوادي كامل المنافع بالبيوت الملوكية والإصطبلات السلطانية والحمام وغير ذلك من سائر ما يحتاج إليه؛ وبالدركاه التي أمام القصر المتقدم ذكرها جسرٌ معقود على جانب الوادي يتوصل منه إلى إيوان براني يطل منه على الميدان القبلي، استجده أقوش الأفرم في نيابته في الأيام الناصرية ابن قلاوون، وتجاه باب القصر بابٌ يتوصل من رحبته إلى الميدان الشمالي؛ وعلى الشرفين المتقدم ذكرهما أبنيةٌ جليلةٌ من بيوت ومناظر ومساجد ومدارس وربطٍ وخوانق وزوايا وحمامات ممتدة على جانبين ممتدين طوال الوادي.ولهذه القلعة نائبٌ بمفردها غير نائب بمفردها غير نائب دمشق يحفظها للسلطان ولا يمكن أحداً من طلوعها من النائب أو غيره. وإذا دخل السلطان دمشق نزل بها. وبها تخت ملك لغيرها من ديار الملك.وأما جانبها الشمالي ويسمى العقيبة، فهو مدينة مستقلة بذاتها ذات أبنيةٍ جليلة وعمائر ضخمة، يسكنها كثير من الأمراء والجند، وبإزاء المدينة في سفح جبل قاسيون مدينة الصالحية: وهي مدينة ممتدة في سفح الجبل بإزاء المدينة في طول مدىً يشرف على دمشق وغوطتها، ذات بيوت ومدارس وربط وأسواق وبيوت جليلة، وبأعاليها مع ذيل الجبل مقابر دمشق العامة، ولكل من دمشق والصالحية البساتين الأنيقة بتسلسل جدأولها وتغني دوحاتها، وبتمايل أغصانها وتغرد أطيارها، وفي بساتين النزهة بها العمائر الضخمة، والجواسق العلية، والبرك العميقة، والبحيرات الممتدة، تتقابل بها الأواوين والمجالس، وتحف بها الغراس والنصوب المطرزة بالسرو الملتف، والحور الممشوق القد والرياحين المتأرجة الطيب، والفواكه الجنية، والثمرات الشهية، والأشياء البديعة، التي تغني شهرتها عن الوصف، ويقوم الإيجاز فيها مقام الإطناب.ومسقى دمشق وبساتينها من نهر يسمى بردى- بفتح الباء الموحدة والراء والدال المهملتين وبآخره ألف. أصل مخرجه من عينين: البعيدة منهما دون قرية تسمى الزبداني، ودونها عينٌ بقرية تسمى الفيجة، بذيل جبل يخرج الماء من صدع في نهاية سفله قد عقد على مخرج الماء منه عقدٌ رومي البناء، ثم ترفده منابع في مجرى النهر؛ ثم يقسم النهر على سبعة أنهر: أربعة غربية: وهي نهر داريا، ونهر المزة، ونهر القنوات، ونهر باناس. واثنان شرقية وهما نهر يزيد، ونهر ثورا؛ ونهر بردى ممتدٌ بينهما.فأما نهر باناس ونهر القنوات، فهما نهرا المدينة حاكمان عليها ومسلطان على ديارها، يدخل نهر باناس القلعة، ثم ينقسم قسمان: قسم للجامع وقسم للقلعة، ثم ينقسم كل قسم منهما على أقسام كثيرة ويتفرق في المدينة بأصابع مقدرة معلومة، وكذلك ينقسم نهر القنوات في المدينة، ولا مدخل له في القلعة ولا الجامع، ويجري في قني مدفونة في الأرض إلى أن يصل إلى مستحقاتها بالدور والأماكن على حسب التقسيم، ثم تنصب فضلات الماء والبرك ومجاري الميضآت إلى قني معقودة تحت الأرض، ثم تجتمع وتتنهر وتخرج إلى ظاهر المدينة لسقي البساتين.وأما نهر يزيد، فإنه يجري في ذيل الصالحية المتقدم ذكرها ويشق في بعض عمارتها.وأما بقية الأنهار، فإنها تتصرف إلى البساتين والغيطان لسقيها، وعليها القصور والبنيان خصوصاً ثورا فإنه نيل دمشق، عليه جل مبانيها وبه أكثر تنزهات أهلها، من يخاله يراه زمردةً خضراء، لالتفاف الأشجار عليه من الجانبين.وبها جامع بني أمية وهو جامع عظيم، بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان في سنة ثمان وثمانون من الهجرة، وأنفق فيه أموالاً جمةً حتى يقال إنه أنفق فيه أربعمائة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، وإنه اجتمع في ترخيمه اثنا عشر ألف مرخم. قال في الروض المعطار: وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهي ثلثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع، وقد زخرف بأنواع الزخرفة من الفصوص المذهبة والمرمر المصقول، وتحت نسره عمودان مجزعان بالحمرة لم ير مثلهما، يقال إن الوليد اشتراهما بألف وخمسمائة دينار، وفي المحراب عمودان صغيران يقال إنهما كانا في عرش بلقيس، وعند منارته الشرقية حجرٌ يقال إنه قطعةٌ من الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.وقد ورد أن المسيح عليه السلام ينزل على المنارة الشرقية منه، ويقال إن القبة التي فيها المحراب لم تزل معبداً لابتداء عمارتها وإلى آخر وقت. بناها الصابئة متعبداً لهم، ثم صارت إلى اليونانيين فكانوا يعظمون فيها دينهم، ثم انتقل إلى اليهود فقتل يحيى بن زكريا عليه السلام، ونصب رأسه على باب جيرون من أبوابه فأصابته بركته، ثم صار إلى النصارى فجعلتها كنيسة، ثم افتتح المسلمون دمشق فاتخذوه جامعها، وعلق رأس الحسين عليه السلام عند قتله في المكان الذي علق عليه رأس يحيى بن زكريا إلى أن جدده الوليد، ويقال إن رأس يحيى عليه السلام، مدفون به، وبه مصحف عثمان الذي وجه به إلى الشام.قال في الروض المعطار: ويقال إن أول من وضع جداره الأول هودٌ عليه السلام. وقد ورد في أثرٍ أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وما يدخل تحت حكم الولايات:وقد ذكر في التعريف أن ولايتها من لدن العريش: حد مصر إلى آخر سلمية مما هو شرق بشمال وإلى الرحبة مما هو شرق بجنوب. قال: وقد أضيف إليها في زمن سلطاننا بلاد جعبرٍ، وكان من حقها أن تكون مع حلب. وحينئذ فتكون ولايتها مشتملةً على الشام الأعلى المتقدم ذكره وما يليه وما يلي ما يليه، وبعض الشام الأدنى، وليس يخرج عنه من ذلك إلا حماة وما خرج مع صفد وطرابلس والكرك. قال: ويكون في نيابة نائبها نيابة غزة ونيابة حمص وبعض شيء مما يقتضي الحق أن يكون مع حلب.وتشتمل على بر وأربع صفقات: فأما البر فالمراد به ضواحيها. قال في التعريف: وحدها من القبلة قرية الخيارة المجاورة للكسوة وما هو على سمتها طولاً، ومن الشرق الجبال الطوال إلى النبك وما على سمتها من القرى آخذاً على عسان وما حولها من القرى إلى الزبداني، ومن الغرب ما هو من الزبداني إلى قرى القران المسامتة للخيارة المقدم ذكرها. قال: ويدخل في ذلك مرج دمشق وغوطتها.وأما صفقاتها، فأربع صفقات:الصفقة الأولى: الساحلية والجبلية:وهي الصفقة الغريبة عن دمشق. قال في مسالك الأبصار: وهي عبارة عن بلاد غزة وما جاورها سهلاً ووعراً.قال في التعريف: وهذه الصفقة هي الشام الأعلى، ينتقص منه ما هو من نهر الأردن إلى حد قاقون. ثم هذه الصفقة لها جهتان:الجهة الأولى: الساحلية:وهي التي بساحل الروم المتقدم ذكره، وتشتمل على أربع أعمال الأول- عمل غزة- بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي المعجمة أيضاً وفي آخرها هاء- وهي مدينة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: طولها ست وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها اثنتا وثلاثون درجة. وقال ابن سعيد: طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها اثنتا وثلاثون درجة، وهي على طرف الرمل بين مصر والشام؛ آخذةٌ بين البر والبحر بجانبيها، مبنيةٌ على نشز عالٍ على نحو ميل من البحر الرومي، متوسطة في العظم، ذات جوامع، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق؛ صحيحة الهواء؛ وشرب أهلها من الآبار؛ وبها أمكنة يجتمع بها المطر إلا أنه يستثقل في الشرب فيعدل منه إلى الآبار لخفة مائها؛ وبساحلها البساتين الكثيرة، وأجل فاكهتها العنب والتين؛ وبها بعض النخيل، وبرها ممتد إلى تيه بني إسرائيل من قبليها، وهو موضع زرعٍ وماشية إلا أن أهل برها عشران بعضهم أعداء بعض، ولولا خوف سطوة السلطنة لما أغمد سيف الفتنة بينهم ولاجتاحوا المدينة ومن فيها.قلت: والحال فيها مختلف: فأكثر الأحيان هي تقدمة عسكر مضافة إلى دمشق، يأتمر مقدم العسكر فيها بأمر نائب السلطنة القائم بدمشق، ولا يمضي أمراً دون مراجعته وإن كانت ولايته من الأبواب السلطانية، وتارة تكون نيابةً مستقلة وتضاف إليها الصفقة الساحلية بكمالها فيكون لها حكم النيابات.الثاني- عمل الرملة. بفتح الراء المهملة وسكون الميم وفتح اللم وفي آخرها هاء- وهي مدينة من جند الأردن، موقعها في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق. قال في القانون: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة.وهي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك.قال في الروض المعطار: وسميت الرملة لغلبة الرمل عليها. قال في مسالك الأبصار: سميت بامرأة اسمها رملة، وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها، فأكرمته وأحسنت نزله، فسألها عن اسمها فقالت رملة، فبنى البلد وسماها باسمها. قال في العزيزي: وهي قصبة فلسطين، وهي في سهل الأرض، وبينها وبين القدس مسيرة يوم.قال في الروض المعطار: وبينها وبين نابلس يوم، وبينها وبين قيسارية مرحلة، وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها، وأكثر شربهم الآن من الآبار ومن صهاريج يجتمع فيها ماء المطر، وهي مقرة الكاشف بتلك الناحية.وميناها مدينة يافا- بفتح المثناة من تحت وألف وفاء ثم ألف في الآخر- وهي مدينة صغيرة بالساحل، وهي في الغرب عن الرملة وبينهما ستة أميال.الثالث- عمل لد- بضم اللام وتشديد الدال المهملة- وهي بلدة جند فلسطين واقعة في الإقليم الثالث شرقاً بشمال الرملة، وبينهما ثلاثة فراسخ، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، غير أنها نحو الرملة في ذلك: لقربها منها أو أطول وأعرض بقليل. وهي مدينة قديمةٌ كانت هي قصبة فلسطين في الزمن الأول إلى أن بنيت الرملة فتحول الناس إليها وتركوا لداً، وقد ثبت في الصحيح أن المسيح عليه السلام يقتل الدجال ببابها.الرابع- عمل قاقون- بفتح القاف وبعدها ألف ثم قاف ثانية مضمومة- وهي مدينة لطيفة غير مسورةٍ، بها جامعٌ وحمام وقلعة لطيفة، وشربها من ماء الآبار، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، إلا أن بينها وبين لد مسيرة يوم فلتعتبر بها بالتقريب.الجهة الثانية: الجبلية:وبها ثلاثة أعمال الأول- عمل القدس. والقدس بضم القاف والدال لفظ غلب على مدينة بيت المقدس- بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المهملة- وهو المسجد الأقصى، وأصل التقديس التطهير، والمراد المطهر من الأدناس. وهي مدينة من جند فلسطين واقعةٌ في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: طولها ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة. وهي مبنية على جبل مستدير، وعرة المسلك؛ وبناؤها بالحجر والكلس؛ وغالب حجرها أسود؛ وشرب أهلها من ماء المطر المجتمع بصهاريج المسجد الأقصى وعينٍ تجري إليها عن بعد، وكذلك عين سلوان وليس ماؤها بالكثير، وكان بها آثار قلعة قديمة خربت فجددها الناصر محمد بن قلاوون في سنة ست عشر وسبعمائة، وليس بها حصانةٌ، وكانت المدينة كلها قد غلب عليها الخراب من حين استيلاء الفرنج عليها، ثم تراجع أمرها للعمارة، وصارت في نهاية الحسن، بها المدارس والربط والحمامات والأسواق وغيرها. والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وهي القبلة الأولى.قال في الروض المعطار: وأول من بنى بيت المقدس وأري موضعه يعقوب عليه السلام، وقيل داود. والذي ذكره في تقويم البلدان أن الذي بناه سليمان بن داود عليهما السلام وبقي حتى خربه بختنصر، فبناه بعض ملوك الفرس وبقي حتى خربه طيطوس ملك الروم، ثم بقي ورمم؛ وبقي حتى تنصر قسطنطين ملك الروم وأمه هيلانة وبنت أمه قمامة على القبر الذي يزعم النصارى أن المسيح عليه السلام دفن فيه، وخربت البناء الذي كان على الصخرة وجعلتها مطرحاً لقمامات البلد عناداً لليهود؛ وبقي الأمر على ذلك حتى فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس فدل على الصخرة فنظف مكانها وبنى مسجداً، وبقي حتى ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة فبناه على ما هو عليه الآن، على أن المسجد الأقصى على الحقيقة جميع ما هو داخل السور، وعلى القرب من المسجد الصخرة التي ربط النبي صلى الله عليه وسلم بها البراق ليلة الإسراء، وهي حجر مرتفع مثل الدكة ارتفاعها من الأرض نحو قامة، وتحتها بيت طوله بسطة في مثلها، ينزل إليها بسلم وعليها قبة عالية، بناها الوليد بن عبد الملك حين بنى المسجد الأقصى.قال المهلبي في كتابه العزيزي: ولما بناها الوليد بنى هناك عدة قباب وسمى كل واحد منها باسم: وهي قبة المعراج، وقبة الميزان، وقبة السلسلة، وقبة المحشر.قال في مسالك الأبصار: وإلى الصخرة المتقدمة الذكر قبلة اليهود الآن، وإليها حجهم. وبه القمامة التي تحجها النصارى من أقطار الأرض، وبيت لحم الذي هو من أجل أماكن الزيارة عندهم، وكان به كنيسة للروم يقال إن بها قبر حنة أم مريم بنت عمران عليها السلام ثم صارت في الإسلام دار علم. فلما ملك الفرنج القدس في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة، فلما فتح السلطان صلاح الدين القدس بنى بها مدرسة. وكان اسمها في الزمن الأول إيليا. والأرض المقدسة مشتملة على بيت المقدس وما حوله، إلى نهر الأردن المسمى بالشريعة، إلى مدينة الرملة طولاً، ومن البحر الشامي إلى مدائن لوطٍ عليه السلام، وغابها جبال وأودية إلا ما هو في جنباتها.الثاني- عمل بلد الخليل عليه السلام. واسمها بيت حبرون بإضافة بيتٍ واحد البيوت إلى حبرون بحاء مفتوحة وباء موحدة ساكنة وراء مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة ونون كذا ضبطها في تقويم البلدان. وفي كلام صاحب الروض المعطار ما دل على إبدال الحاء بجيم والباء الموحدة بمثناة تحت، فإنه ذكرها في حرف الجيم في سياقة الكلام على تسمية دمشق جيرون. وهي بلدة من جند فلسطين في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة، طولها في بعض الأزياج ست وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وبها قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ونسائهم، وهي إحدى القرى التي أقطعها النبي صلى الله عليه وسلم لتميم الداري كما سيأتي ذكره في الكلام على المناشير إن شاء الله تعالى.الثالث- عمل نابلس- بفتح النون وألف وضم الباء الموحدة واللام وسين مهملة في آخرها- مدينة من جند الأردن من الإقليم الثالث. قال في كتاب الأطوال: طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة.وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وأربع وعشرون دقيقة، وعرضها على ما تقدم. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة يحتاج إليها ولا تحتاج إلى غيرها. قال ابن حوقل: وليس بفلسطين بلدةٌ فيها ماءٌ جارٍ سواها، وباقي ذلك شرب أهله من المطر وزرعهم عليه، وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام؛ وهي مدينة السامرة، وكانت السامرة في الزمن المتقدم لا توجد إلا بها؛ وبها الجبل الذي يحج إليه السامرة، وسيأتي الكلام على الموجب لتعظيمه عندهم عند الكلام على تحليفهم في باب الأيمان إن شاء الله تعالى.الصفقة الثانية: القبلية:سميت بذلك لأنها قبلي دمشق. قال في مسالك الأبصار: وتشتمل على بلاد حوران والغور وما مع ذلك. قال في التعريف: وحدها من القبلة جبال الغور القبلية المجاورة لمرج بني عامر، ومن الشرق البرية؛ ومن الشمال حدود ولاية بر دمشق القبلي؛ ومن الغرب الأغوار إلى بلاد الشقيف. قال: والأغوار كلها داخلة في صفقة خلا ما يختص بالكرك.وتشتمل هذه الصفقة على عشرة أعمال:الأول- عمل بيسان- بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة وألف ونون- مدينة من جند الأردن من الإقليم الثالث. قال في الأطوال: طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وثلاثون دقيقة. وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وسبعٌ وعشرون دقيقة. وهي مدينة صغيرة بلا سور، ذات بساتين وأشجار وأنهار وأعين، كثيرة الخصب واسعة الرزق، ولها عين تشق المدينة، وهي على الجانب الغربي من الغور.قال في التعريف: وهي مدينة الغور، وبها مقر الولاية. قال في مسالك الأبصار: ولها قليعةٌ من بناء الفرنج. قال في الروض المعطار: ويقال إن طالوت قتل جالوت هنالك.الثاني- عمل بانياس- بباء موحدة وألف ونون وياء مثناة تحت وألف ثم سين مهملة- مدينة من جند دمشق واقعةٌ في الإقليم الثالث. قال في تقويم البلدان: طولها ثمان وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة. قال: وهي على مرحلة ونصف من دمشق من جهة الغرب بميلة إلى الجنوب. قال في العزيزي: وهي في لحف جبل الثلج، وهو مطل عليها والثلج على رأسه كالعمامة لا يعدم منه شتاءً ولا صيفاً. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة الجولان، وبها قلعة الصبيبة بضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر. قال في التعريف: وهي من أجل القلاع وأمنعها.الثالث- عمل الشعرا- بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة وبعدها ألف- وهي عن نابلس المتقدمة الذكر شرق بجنوب، وطوله ما بين بانياس إلى جبل الثلج. قال في التعريف: والولاية بها تكون تارة بقرية حان بالحاء المهملة وتارة بقرية القنيطرة تصغير قنطرة، ولم يتحرر لي طولهما وعرضهما فلتعتبرا بما قاربهما من الأعمال.الرابع- عمل نوى- بفتح النون والواو وألف في الآخر- وهي بلدة صغيرة، عن دمشق في جهة الغرب إلى الجنوب على نحو مرحلة، وهي مدينةٌ قديمةٌ من أعمال دمشق، بها قبر أيوب النبي عليه السلام، وإليها ينسب الشيخ محيي الدين النووي الشافعي رحمه الله، ولم يتحرر لي طولها وعرضها فلتعتبر بما قاربها أيضاً، وهي عن يمين الشعرا المتقدم ذكرها شرق بجنوب أيضاً.الخامس- عمل أذرعات- بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء والعين المهملتين وألف ثم تاء مثناة من فوق في الآخر- قال في الروض المعطار: ويجوز فيها الصرف وعدمه. قال: والتاء في الحالين مكسورة. وقال الخليل بن أحمد: من كسر الألف لم يصرف؛ وهذا صريح في حكاية كسر الألف في أولها. ويقال لها يذرعات بياء مثناة تحت بدل الألف- وهي مدينة من أعمال دمشق من الإقليم الثالث. قال في كتاب الأطوال: طولها ستون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة- وهي مدينة البثنية، وبينها وبين الصنمين ثمانية عشر ميلاً. قال في التعريف: وبها ولاية الحاكم على مجموع الصفقة، وقد كان قديماً بغيرها.السادس- عمل عجلون- بفتح العين وسكون الجيم وضم اللام وسكون الواو ونون في آخره- قلعة من جند الأردن من الإقليم الثالث، طولها ثمان وخمسون درجة وعشر دقائق، وعرضها ثلاثون درجة وعشر دقائق. مبنيةٌ على جبل يعرف بجبل عوف المتقدم ذكره في جبال الشام المشهورة تشرف على الغور. وهي محدثة البناء بناها عز الدين أسامة بن منقذ: أحد أكابر أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة ثمانين وخمسمائة. قال في مسالك الأبصار: وكان مكانها ديربه راهب اسمه عجلون فسميت به. قال في التعريف: وهو حصن جليل على صغره، وله حصانةٌ ومنعة منيعة. ومدينة هذه القلعة الباعونة بفتح الباء الموحدة وألف بعدها ثم عين مضمومة وواو ساكنة ونون مفتوحة وفي آخرها هاء وهي على شوط فرس من عجلون. قال في المسالك: وكان مكانها ديرٌ أيضاً به راهب اسمه باعونة فسميت المدينة به، وهما شرقي بيسان المتقدم ذكرها.السابع- عمل البلقاء. قال في الروض المعطار: سميت بالبلقاء ابن سورية من بني عمان بن لوط، وهو الذي بناها. قال في تقويم البلدان: وهي إحدى كور الشراة؛ وهي عن أريحا في جهة الشرق على مرحلة، ومدينة هذا العمل حسبان بضم الحاء وإسكان السين المهملتين وفتح الباء وبعدها ألف ونون وهي بلدة صغيرة ولها واد وأشجارٌ وأريحةٌ وبساتين وزروع.قال في مسالك الأبصار: ومن هذا العمل الصلت- وهي بألف ولام لازمين في أوله وفتح الصاد المهملة المشددة وسكون اللام وبعدها تاء مثناة- بلدة لطيفة من جند الأردن في جبل الغور الشرقي في جنوبعجلونعلى مرحلة منها، وبها قلعة بناها المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، وتحت القلعة عينٌ واسعة يجري ماؤها حتى يدخل البلد، وهي بلدة عامرة آهلة ذات بساتين وفواكه. قلت: وكلامه في التعريف قد يخالف كلامه في مسالك الأبصار في جعل الصلت من عمل حسبان، فإنه قال: وأولها من جهة القبلة البلقاء ومدينتها حسبان، ثم الصلت، ثم عجلون؛ وعجلون عمل مستقل كما تقدم، ومقتضاه أن يكون الصلت أيضاً عملاً مستقلاً. وكذا رأيته في التذكرة الآمدية نقلاً عن شهاب الدين بن الفارقي أحد كتاب الإنشاء بدمشق في الدولة الناصرية ابن قلاوون؛ وأخبرني بعض كتاب الإنشاء أن المستقر الصلت فقط والبلقاء مضافة إليها، وعليه يدل كلام القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في التثقيف فإنه قال: وممن كتب إليه من الولاة بالممالك الشامية في قديم الزمان- ولعله في الأيام الشهيدية- والي الصلت والبلقاء فيما نقل عن خط المرحوم نصر الدين بن النشائي كاتب الدست الشريف.الثامن- عمل صرخد- بفتح الصاد وإسكان الراء المهملتين وفتح الخاء المعجمة ودال مهملة في آخره- بلدة صغيرة ذات بساتين وكرومٍ وليس بها ماء سوى ما يجتمع من ماء المطر في الصهاريج والبرك. قال ابن سعيد: وليس وراء عملها من جهة الجنوب وإلى الشرق إلا البرية، ومنها تسلك طريق تعرف بالرصيف إلى العراق يصل المسافرون منها إلى بغداد في نحو عشرة أيام. قال في التعريف: وبها قلعة وكان بها ملك من المماليك المعظمية. قال في مسالك الأبصار: وهي محدثة البناء بدئت قبل نور الدين الشهيد بقليل، ولما وصلت عساكر هولاكو ملك التتار إلى الشام هدموا شرفاتها وبعض جدرانها فجددها الظاهر بيبرس، وهي على ذلك إلى الآن.التاسع- عمل بصرى- بضم الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وألف في الآخر- هكذا هو مقيد بالشكل في كتب اللغة والحديث والمسالك والممالك وجارٍ على الألسنة، ووقع في تقويم البلدان ضبطه بفتح أوله فلا أدري أهو سبق قلم أو غلط من النسخة أو أخذه من كلام غيره، وهي مدينة بحوران من أعمال دمشق واقعةٌ في الإقليم الثالث. قال في كتاب الأطوال والقانون: طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة حوران السفلى، بل حوران كلها، بل الصفقة جميعها؛ وكلامه في التعريف يوافقه، وهي مدينة أزلية مبنية بالحجارة السود، ولها قلعة ذات بناء متين شبيهٍ بناء قلعة دمشق. قال في التعريف: وكانت دار ملك ابني أيوب، وقد ثبت في الصحيح من حديث الخندق أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ثم ضربت الضربة الثالثة فلاحت لي منها قصور بصرى كأنها أنياب الكلاب» وهي التي وجد النبي صلى الله عليه وسلم بها بحيرا الراهب وآمن به حين قدم تاجراً لخديجة بنت خويلد قبل البعثة، وقبر بحيرا هناك مشهور يزار، وقد تقدم الكلام عليها فأغنى عن إعادته هنا.العاشر عمل زرع- بضم الزاي المعجمة وفتح الراء المهملة وعين مهملة في الآخر- وهي بلدة من بلاد حوران لها عملٌ مستقل، ولم يتحرر لي طولها وعرضها. قال في التعريف: وقد يتصل عمل بصرى بأذرعاتٍ لوقوع زرع متشاملة.الصفقة الثالثة: الشمالية:سميت بذلك لأنها عن شمال دمشق. قال في مسالك الأبصار: وهي ساحلية وجبلية. قال في التعريف: وحدها من القبلة حد ولاية دمشق الشمالي وبعض الغربي؛ وحدها من الشرق قرية جوسية التي بين القرية المعروفة بالقصب من عمل حمص وبين القرية المعروفة بالفيجة من عمل بعلبك؛ وحدها من الشمال مرج الأسل المستقل عن قائم الهرمل حيث يمد العاصي بطرابلس، وكل ما تشامل عن جبل لبنان إلى البحر؛ وحدها من المغرب ما هو على سمت البحر منحدراً عن صور إلى حد ولاية بر دمشق القبلي والغربي.وتشتمل هذه الصفقة على خمسة أعمال: الأول- عمل بعلبك- بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح اللام والباء الموحدة الثانية وفي آخرها كاف- هكذا ضبطه في تقويم البلدان والجاري على ألسنة الناس فتح العين وإسكان اللام. قال في الروض المعطار: وكان لأهلها صنمٌ يدعى بعلاً، فالبعل اسم للصنم، وبك اسم الموضع فسميت بعلبك لذلك. قال: وإليهم بعث النبي إلياس عليه السلام، وكأنه يشير بذلك إلى ما قصه الله تعالى في سورة الصافات بقوله: {أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين} وكان فتحها في سنة أربع عشرة من الهجرة؛ وهي مدينة من أعمال دمشق واقعةٌ في الإقليم الرابع طولها ستون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي مدينة شمالي دمشق، جليلة البناء، نبيهة الشان، قديمة البنيان، يقال إنها من بناء سليمان عليه السلام. قال في مسالك الأبصار: وهي مختصرة من دمشق في كمال محاسنها وحسن بنائها وترتيبها؛ بها المساجد والمدارس والربط والخوانق والزوايا والبيمارستان والأسواق الحسنة، والماء جار في ديارها وأسواقها، وفيها يعمل الدهان الفائق من الماعون وغيره ويحمل منها إلى غالب البلدان مع كونها واسعة الرزق رخيصة السعر، وكانت دار ملك قديم، ومن عشها درج نجم الدين أيوب والد الملوك الأيوبية رحمه الله، وبها قلعةٌ حصينةٌ جليلة المقدار من أجل البنيان وأعظمه، وهي مرجلة على وجه الأرض كقلعة دمشق. قال في التعريف: بل إنما بنيت قلعة دمشق على مثالها، وهيهات لا تعد من أمثالها وأين قلعة دمشق منها وحجارتها تلك الجبال الثوابت، وعمها تلك الصخور النوابت. وبهذه القلعة من عمارة من نزل بها من الملوك الأيوبية آثارٌ ملوكية جليلة، ويستدير بالمدينة والقلعة جميعاً سورٌ عظيم البناء مبني بالحجارة العظيمة المقدار الشديدة الصلابة، ويخف بذلك غوطة عظيمة أنيقةٌ ذات بساتين مشتبكة الأشجار بها الثمار الفائقة، والفواكه المختلفة. وبظاهرها عين ماء متسعة الدائر ماؤها في غاية الصفاء بين مروج وبساتين، يمتد منها نهر يتكسر على الحصباء في خلال تلك المروج إلى أن يدخل المدينة، وينقسم في بيوتها وجهاتها. وعلى البعد منها عينٌ أخرى تعرف بعين اللحوج؟ في طرف بساتينها، منها فرع إلى الجانب الشمالي من المدينة، ويصب في قناة هناك ويدخل منه إلى القلعة، وبخارجها جبل لبنان المعروف بعش الأولياء.الثاني- عمل البقاع البعلبكي- يوصف البقاع- بكسر الباء الموحدة وفتح القاف وبعدها ألف ثم عين مهملة- بالبعلبكي، نسبة إلى بعلبك لقربه منها.قال في التعريف: وليس له مقر ولاية.الثالث- عمل البقاع العزيزي- يوصف البقاع بالعزيزي نسبة إلى العزيز عكس الذليل، وكأنه نسبة إلى الملك العزيز ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله. قال في التعريف: ومقر الولاية به كرك نوح عليه السلام. قال: وهاتان الولايتان منفصلتان عن بعلبك، وهما مجموعتان لوالٍ جليل مفرد بذاته.الرابع- عمل بيروت- بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وواو وتاء مثناة من فوق في آخرها- وهي مدينة من الإقليم الثالث بساحل دمشق. قال في كتاب الأطوال: طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشون دقيقة. وهي مدينة جليلة على ضفة البحر الرومي، عليها سوران من حجارة؛ وفيه كان ينزل الأوزاعي الفقيه المشهور، وبها جبل فيه معدن حديد، ولها غيضة من أشجار الصنوبر سعتها اثنا عشر ميلاً في التكسير، تتصل إلى تحت لبنان المقدم ذكره. قال في تقويم البلدان: وشرب أهلها من قناة تجري إليها. وقال في مسالك الأبصار: شرب أهلها من الآبار. قال ابن سعيد: وهي فرضة دمشق ولها مينا جليلة، وفي شماليها على الساحل مدينة جبيلٍ تصغير جبل. قال في الروض المعطار: بينهما ثمانية عشر ميلاً. قال في العزيزي: وبينها وبين بعلبك على عقبة المغيثة ستة وثلاثون ميلاً.الخامس- عمل صيدا- بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الدال المهملة وألف مقصورة في الآخر- وهي مدينة بساحل البحر الرومي، واقعة في الإقليم الثالث، ذات حصنٍ حصين. قال ابن القطامي سميت بصيدون ابن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، وهو أول من عمرها وسكنها.وقال في الروض المعطار: سميت بامرأة. وشرب أهلها من ماء يجري إليهم من قناة. قال في العزيزي: وبينها وبين دمشق ستة وثلاثون ميلاً. قال في مسالك الأبصار: وكورتها كثيرة الأشجار، غزيرة الأنهار. قال في الروض المعطار: وبها سمك صغار له أيدٍ وأرجل صغار إذا جفف وسحق وشرب بالماء، أنعظ إنعاظاً شديداً. قال في المسالك: وهي ولاية جليلة واسعة العمل ممتدة القرى، تشتمل على نيف وستمائة ضيعة.الصفقة الرابعة: الشرقية:وهي على ضربين:الضرب الأول: ما هو داخل في حدود الشام وهو غربي الفرات:قال في التعريف: وحدها من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية جوسية المقدم ذكرها، آخذاً على النبك قال في التعريف: وحدها من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية جوسية المقدم ذكرها، آخذاً على النبك إلى القريتين؛ وحدها من الشرق السماوة إلى الفرات وينتهي إلى مدينة سلمية إلى الرستن؛ وحدها من الغرب نهر الأرنط وهو العاصي، وتشتمل على خمسة أعمال أيضاً:الأول- عمل حمص- بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وصاد مهملة في الآخر. قال في الروض المعطار: ولا يجوز فبها الصرف كما يجوز في هندٍ لأن هذا اسم أعجمي. قال: وسميت برجل من العماليق اسمه حمص هو أول من بناها. قال الزجاجي: هو حمص بن المهر بن حاف بن مكنف، وقيل برجل من عاملة هو أول من نزلها، واسمها القديم سوريا بسين مهملة مضمومة وراء ساكنة وراء مهملة مكسورة وياء مثناة تحت مفتوحة وألف في الآخر. وبه كانت تسميه الروم، وموقعها من الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وهي مدينة جليلة، وقاعدة من قواعد الشام العظام. قال في التعريف: وكانت دار ملك للبيت الأسدي يعني أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. قال: ولم يزل لملكها في الدولة الأيوبية سطوةٌ تخاف وبأس يخشى، وهي في وطاءة من الأرض ممتدة على القرب من النهر العاصي، ومنه شرب أهلها، ولها منه ماء مرفوعٌ يجري إلىدار النيابة بها وبعض مواضع بها. قال في مسالك الأبصار: وبها القلعة المصفحة وليست بالمنيعة، ويحيط بها وبالبلد سورٌ حصين هو أمنع من القلعة. قال في العزيزي: وهي من أصح بلاد الشام هواءً، وبوسطها بحيرةٌ صافية الماء، ينقل السمك إليها من الفرات حتى يتولد فيها، والطير مبثوث في نواحيها. قال ابن حوقل: وليس بها عقارب ولا حيات. وقد تقدم في الكلام على خواص الشام وعجائبها أن بها قبةً بالقرب من جامعها إذا ألصق بها طين من طينها وترك حتى يسقط بنفسه ووضع في بيت أو ثياب لم يقربها عقربٌ، وإن ذر منه على العقرب شيء أخذه مثل السكر وربما قتله؛ ولها من بر بعلبك أنواع الفواكه وغيرها؛ وقماشها يقارب قماش الإسكندرية في الجودة والحسن، وإن لم يبلغ شأوه في ذلك. قال في الروض المعطار: ويقال إن بقراط الحكيم منها. وإن أهلها أول من ابتدع الحساب؛ وبها قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومقامه مشهور بها يزار.الثاني- عمل مصياف بكسر الميم وسكون الصاد- وهي بلدة جليلة، ولها قلعة حصينة في لحف جبل اللكام الشرقي عن حماة وطرابلس، في جهة الشمال عن بارين على مسافة فرسخ، وفي جهة الغرب عن حماة على مسيرة يوم، وبها أنهر صغار من أعين، وبها البساتين والأشجار. وهي قاعدة قلاع الدعوة الآتي ذكرها في أعمال طرابلس ودار ملكها، وكانت أولاً مضافةً إلى طرابلس ثم أفردت عنها وأضيفت إلى دمشق.الثالث- عمل قارا- بقاف مفتوحة بعدها ألف ثم راء مهملة وألف ثانية. هكذا هو مكتوب في التعريف وغيره وهو الجاري على الألسنة. ورأيتها مكتوبة في تقويم البلدان بهاء في الآخر بدل الألف الأخيرة. وهي قرية كبيرة قبلي حمص، بينها وبين دمشق على نحو منتصف الطريق، تنزلها قوافل السفارة، وبينها وبين حمص مرحلةٌ ونصف، وبينها وبين دمشق مرحلتان، وغالب أهلها نصارى.الرابع- عمل سليمة- بفتح السين المهملة واللام وكسر الميم وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي بلدة من عمل حمص من الإقليم الرابع. قال في الأطوال: طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: والقياس أن يكون العرض أربعاً وثلاثين ونصفاً. قال أحمد الكاتب: بناها عبد الله بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وأسكن بها ولده. وهي بلدة على طرف البادية نزهةٌ خصبة كثيرة المياه والشجر، ومياهها من قني. قال في الروض المعطار: وبينها وبين حمص مرحلةٌ.الخامس- عمل تدمر- بفتح التاء المثناة فوق وسكون الدال المهملة وضم الميم وراء مهملة في الآخر- كذا ضبطه السمعاني في الأنساب: والجاري على ألسنة الناس ضم أولها. قال في التعريف: وهي بين القريتين والرحبة، وهي معدودة من جزيرة العرب واقعةٌ في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: وهي من أعمال حمص من شرقيها، وغالب أرضها سباخ؛ وبها نخيل وزيتون؛ وبها آثار عظيمة أزلية من الأعمدة والصخور، ولها سورٌ وقلعة.قال في الروض المعطار: وهي في الأصل مدينة قديمة بنتها الجن لسليمان عليه السلام، ولها حصون لا ترام. قال: وسميت تدمر بتدمر بنت حسان ابن أذينة، وفيها قبرها. وإنما سكنها سليمان عليه السلام بعدها. قال في العزيزي: وبينها وبين دمشق تسعة وخمسون ميلاً، وبينها وبين الرحبة مائة ميلٍ وميلان. قال صاحب حماة: وهي عن حمص على ثلاث مراحل.الضرب الثاني من هذه الصفقة ما هو من بلاد الجزيرة بين الفرات والدجلة على القرب من الفرات وهي مدينة الرحبة:قال في اللباب: بفتح الراء والحاء المهملتين والباء الموحدة وهاء في الآخر- وهي مدينة على الفرات بين الرقة وعانة، واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها أربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وتعرف برحبة مالك بن طوق، وهو قائدٌ من قواد هارون الرشيد، قيل إنه أول من عمرها فنسبت إليه. قال السلطان عماد الدين صاحب حماة: وقد خربت الرحبة المذكورة صارت قرية، وبها آثار المدينة من المآذن الشواهق وغيرها، واستحث شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي صاحب حمص من جنوبها الرحبة الجديدة على نحو فرسخ من الفرات، وهي بلدة صغيرة ولها قلعة على تل تراب، وشرب أهلها من قناة من نهر سعيدٍ، الخارج من الفرات. قال: وهي اليوم محط القوافل من الفرات والشام، وهي أحد الثغور الإسلامية في زماننا.قال في التعريف: وبها قلعة نيابةٍ، وفيها بحرية وخيالة وكشافة وطوائف من المستخدمين، ولم نزل إمرتها طبلخاناه، بمرسومٍ شريف من الأبواب الشريفة من الأيام الناصرية ابن قلاوون إلى الآن.تنبيه قال في التعريف: ومما أضيف إلى دمشق في زمن سلطاننا يعني الناصر بن قلاوون بلاد جعبر. قال: وحقها أن تكون مع حلب، وهي مستمرة على ذلك إلى زماننا، وسيأتي الكلام عليها في الأعمال الحلبية إن شاء الله تعالى.وقد ذكر القاضي تقي الدين بن ناظر الجيش في كتابه التثقيف: أنه كان قد استقر بتدمر وسلمية والسخنة والقريتين نوابٌ، واستقر الحال على أن مكاتبة كل منهم إن كان مقدماً نظير النائب بالرحبة، يعني صدرت والعالي وإن كان طبلخاناه فالاسم والسامي بالياء.القاعدة الثانية من قواعد البلاد الشامية:وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:قال في اللباب: وهي بفتح الحاء المهملة واللام وباء موحدة في الآخر- وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: وطولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.واختلف في سبب تسميتها حلب على قولين حكاهما صاحب الروض المعطار: أحدهما أنه كان مكان قلعتها ربوة، وكان الخليل عليه السلام يأوي إليها ويلب غنمه ويتصدق بلبنها فسميت حلب بذلك. والثاني أنها سميت برجل من العماليق اسمه حلب. قال الزجاجي: حلب بن المهر من ولد جان بن مكنف.قال في مسالك الأبصار: وهي مدينة عظيمة من قواعد الشام القديمة؛ وهي في وطاءة حمراء ممتدة، مبنيةٌ بالحجر الأصفر الذي ليس له نظير في الآفاق؛ وبها المساكن الفائقة، والمنازل الأنيقة، والأسواق الواسعة، والقياسر الحسنة، والحمامات البهجة، ذات جوامع ومساجد ومدارس وخوانق وزوايا وغير ذلك من سائر وجوه البر، وبها بيمارستان حسنٌ لعلاج المرضى. قال في مسالك الأبصار: ولها نهران: أحدهما يعرف بنهر قويق، وهو نهرها القديم، والثاني يعرف بنهر الساجور، وهو نهر مستحدث، ساقه إليها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته وحكمه عليها.وقد ذكر السلطان عما د الدين صاحب حماة: أن الملك الظاهر غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب ساق إليها نهراً في سنة خمس وستمائة، ولعله نهر قويق المذكور. قال في مسالك الأبصار: ويجر ي إلى داخلها فرع ماء يتشعب في دورها ومساكنها ولكنه لا يبل صداها ولا يشفي غلتها، وبها الصهاريج المملوءة من ماء المطر، ومنها شرب أهلها؛ ويدخل إليها الثلج من بلادها، وليس لأهلها إليه كثير التفات لبرد هوائها وقرب اعتدال صيفهم وشتائهم؛ وبها الفواكه الكثيرة وأكثرها مجلوب إليها من نواحيها لقلة البساتين بها؛ وبظاهرها المروج الفيح والبر الممتد حاضرة وبادية؛ وبها عسكر كثيف وأمم من طوائف العرب والأكراد والتركمان.قال في اللباب: وكان الجند في ابتداء الإسلام ينزلون قنسرين، وهي المدينة التي تنسب الكورة إليها على ما تقدم ذكره ولم يكن لحلب معها ذكر.قال ابن سعيد: ثم ضعفت بقوة حلب عليها، وهي الآن قرية صغيرة.قال في مسالك الأبصار: وكانت حلب قد عظمت في أيام بني حمدان، وتاهت بهم شرفاً على كيوان. جاءت الدولة الأتابكية فزادت فخاراً، واتخذت لها من بروج السماء منطقةً وأسواراً؛ ولم تزل على هذا يشار إليها بالتعظيم، ويأبى أهلها في الفضل عليها لدمشق التسليم؛ حتى نزل هولاكو بحوافر خيله فهدمت أسوارها وخربت حواضرها، ولم تزل خالية من الأسوار، عريةً من الأبواب، إلى أن كانت فتنة منطاش في سلطنة الظاهر برقوق والنائب بها من قبله الأمير كمشغبا، فجدد أسوارها، ورتب أبوابها، وهي سبعة أبواب: باب قنسرين من القبلة، وباب المقام من القبلة أيضاً، وباب النيرب من الشرق، وباب الأربعين من الشرق أيضاً، وباب النصر من بحريها، وباب الجنان من غربيها، وباب أنطاكية من غربيها أيضاً؛ وهي الآن في غاية ما يكون من العمارة وحسن الرونق والبهجة، ولعلها قد فاقت أيام بني حمدان؛ ولم يزل نائبها من أكابر الأمراء المتقدمين من الدولة الناصرية فما قبلها إلى الآن، وقد زادت رتبته عما كان عليه في الأيام الناصرية؛ وهي ثانية دمشق في الرتبة؛ ومعاملاتها على ما تقدم في دمشق من الدراهم والدنانير والفلوس وصنجة الذهب والفضة. غير أن الفلوس الجدد لم ترج بها بعد، ورطلها سبعمائة وعشرون درهماً بالصنجة الشامية، كل أوقية ستون درهماً، ومعاملاتها معتبرة بالمكوك، ولا تعرف فيها الغرارة، ولا في شيء من أعمالها؛ وتختلف بلادها في المكوك اختلافاً متبايناً في الزيادة والنقص.قال في مسالك الأبصار: والمعدل فيها أن يكون كل مكوكين ونصف غرارة وما بين ذلك وكل ذلك تقريباً.قلت: وأخبرني بعض أهلها أن المكوك بنفس مدينة حلب معتبر بسبع ويبات بالكيل المصري، والذراع القماش ذراعٌ وسدسٌ بذراع القماش القاهري، ويزيد على ذراع دمشق بقيراطين، وقياس دور أرضها بذراع العمل المعروف بالديار المصرية.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:قال في مسالك الأبصار: هي أوسع الشام بلاداً، متصلةٌ ببلاد سيس والروم وديار بكر وبرية العراق. قال في التعريف: ويحدها من القبلة المعرة وما وقع على سمتها إلى الدمنة الخراب والسلسلة الرومية ومجرى القناة القديمة الواقع ذلك بين الحيار يعني بكسر الحاء المهملة والياء المثناة تحت وألف وراء مهملة والقرية المعروفة بقبة ملاعب؛ ويحدها من الشرق البر حيث يحد بردى آخذاً على جبل الثلج، ثم الجلاب على أطراف بالس إلى الفرات دائرة بحدها. قال: وبهذا التقسيم تكون بلاد جعبر داخلة في حدودها؛ ويحدها من الشمال بلاد الروم مما وراء بهنسى وبلادالأرمن على البحر الشامي.ثم أعمالها على ثلاثة أقسام:القسم الأول: ما هو داخل في حدود بلاد الممالك الشامية:ولها بر وأعمال فأما برها فهو ضواحيها على ما تقدم في دمشق، وهو كالعمل المنفرد بنفس.وأما أعمالها، فقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابيه التعريف ومسالك الأبصار بها ستة عشر عملاً على أكثرها، وربما انفرد الكتابين عن الآخر بالبعض دون البعض.الأول- عمل قلعة المسلمين- المسماة في القديم بقلعة الروم وهي قلعةٌ من جند قنسرين في البر الغربي الجنوبي من الفرات، في جهة الغرب الشمالي عن حلب على نحو خمس مراحل منها، وفي الغرب عن البيرة على نحو مرحلة، والفرات بذيلها. وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج: وطولها اثنتان وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي من القلاع الحصينة التي لا ترام ولا تدرك، ولها ربض وبساتين، ويمر بها نهر يعرف بمرزبان يصب في الفرات. قال في التعريف: وكان بها خليفة الأرمن ولا يزال بها طاغوت الكفر، فقصدها الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون فنزل عليها، ولم يزل بها حتى فتحها، وسماها قلعة المسلمين. قال: وهي من جلائل القلاع.الثاني- عمل الكختا- بفتح الكاف وسكون الخاء المعجمة وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف في الآخر، والألف واللام فيه غير لازمتين- هي قلعة في أقاصي الشام من جهة الشمال بشرق من حلب، على نحو خمس مراحل منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال بعض أصحاب الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشر دقائق، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة عالية البناء لا ترام حصانةً، ولها بساتين ونهر، وملطية عنها في جهة الغرب على مسيرة يومين؛ وكركر منها في جهة الشرق، وكانت أحد ثغور الإسلام في وجوه التتار عند قيامهم. قال في التعريف: وهي ذات عمل متسع، وعسكر تطوع مجتمع.الثالث- عمل كركر بفتح الكاف وسكون الراء المهملة ثم كاف مفتوحة ثانية بعدها راء مهملة ثانية أيضاً- وهي قلعة من أقاصي الشام في الشمال عن حلب على نحو خمس مراحل أيضاً، وفي الغرب من الكختا المتقدمة الذكر على نحو يوم منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.قال في تقويم البلدان: وهي قلعة حصينة شاهقة في الهواء يرى الفرات منها كالجدول الصغير، وهو منها في جهة الشرق؛ وكانت من أعظم الثغور في زمان التتار.الرابع- عمل بهنسى- بفتح الباء الموحدة والهاء وسكون السين المهملة ثم نون وألف- وهي قلعة في شمالي حلب على نحو أربع مراحل منها، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ثلاثون درجة وأربعون دقيقة قال في تقويم البلدان: وهي قلعة حصينة مرتفعة لا ترام حصانةً، بها بساتين ونهر صغير وأسواق ورستاق متسع، وبها مسجد جامع. ثم قال: وهي بلدة واسعة، كثيرة الخير والخصب؛ وهي في الغرب والشمال عن عينتاب؛ وبينهما نحو مسير يومين، وبينها وبين سيس نحو ستة أيام. قال في التعريف: وهي الثغر المتاخم لبلاد الدروب، والمشتعل في جمرة الحروب؛ وبها عسكر من التركمان والأكراد. ولا يزال لهم آثار في الجهاد. قال: ولنائبها مكانة جليلة، وإن كان لا يلتحق بنائب البيرة.الخامس- عمل عينتاب- بفتح العين وسكون الياء المثناة تحت والنون وفتح التاء المثناة فوق ثم ألف وباء موحدة- وهي مدينة من جند قنسرين شمالي حلب على نحو مرحلتين منها؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وهي مدينة حسنة، واسعة الأرجاء، كثيرة المياه والبساتين، ذات أسواق جليلة مقصودة للتجار والمسافرين؛ وبها قلعة حصينة منقوبة في الصخر. وهي عن حلب في الشمال على نحو ثلاث مراحل منها، وعن قلعة الروم في الجنوب على نحو ثلاث مراحل أيضاً، وعن بهنسى في جهة الشرق والجنوب على نحو ثلاث مراحل.السادس- عمل الراوندان- بألف ولام لازمتين وراء مهملة بعدها ألف ثم واو مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة ثم ألف ونون- وهي قلعة من جند قنسرين واقعة في الإقليم الرابع طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي قلعة حصينة على جبل مرتفع أبيض، ذات أعينٍ وبساتين وفواكه، وواد حسن؛ ونهرها من تحتها نهر عفرين المتقدم ذكره آخذاً من الشمال إلى الجنوب، وهي في الغرب والشمال عن حلب، وبينهما نحو مرحلتين، وفي الشمال عن حارم.السابع- عمل الدربساك- بفتح الدال المهملة وسكون الراء المهملة وفتح الباء الموحدة والسين المهملة ثم ألف وكاف، والألف واللام فيه غير لازمتين- وهي قلعة من جند قنسرين واقعةٌ في الإقليم الرابع شمالي حلب على نحو ثلاث مراحل أو أربع منها. قال في تقويم البلدان: والقياس أن يكون طولها إحدى وستين درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي قلعة حصينة ذات أعين وبساتين، وبها مسجد جامع، ولها من شرقيها مروج متسعة، حسنة المنظر، كثيرة العشب، يمر بها النهر الأسود المتقدم ذكره.الثامن- عمل بغراس- بفتح الباء الموحدة وسكون الغين المعجمة وراء مهملة وألف ثم سين مهملة- كذا ضبطه السمعاني في الأنساب ووقع في التعريف ومسالك الأبصار بالصاد المهملة بدل السين. والجاري على ألسنة الناس ضم أوله؛ وهي قلعةٌ من جند قنسرين، واقعةٌ في الإقليم الرابع شمالي حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها ستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وثلاث وخمسون دقيقة، وهي في الجبل المطل على عمق حارم. قال ابن حوقل: وكان بها دار ضيافة لزبيدة. قال في تقويم البلدان: وهي ذات أعين وبساتين وأشجار، وبينها وبين الدربساك نحو بعض مرحلة، وهي في جهة الجنوب عن الدربساك. قال في العزيزي: وبينها وبين أنطاكية اثنا عشر ميلاً، وبينها وبين إسكندرونة كذلك، وبينها وبين حارمٍ نحو مرحلتين. وبغراس في الجنوب عن دربساك وبينهما بعض مرحلة، وحارمٌ في جهة الشرق عنها. قال في التعريف: وكانت هي الثغر في بحر الأرمن حتى استضيفت الفتوحات الجاهانية. قال: وبها رصص وهي عضو من أعضائها وجزء من أجزائها. ورصص المذكورة براء مهملة مضمومة وصادين مهملتين الصاد الأولى مفتوحة، وهي بلدة على الساحل، وقد مر ذكرها في الكلام على بحر الروم على سواحل الأرمن.التاسع- عمل القصير تصغير قصر. قال في مسالك الأبصار: وهي قلعة غربي حلب على نحو أربع مراحل منها. قال في التعريف: وهي لأنطاكية ولم يتحرر لي طولها وعرضها.العاشر- عمل الشغر وبكاس- اسمان لقلعتين بينهما رمية أسهم.فالشغر- بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم راء مهملة.وبكاس- بفتح الباء الموحدة والكاف ثم ألف وسين مهملة في الآخر.وهما من جند قنسرين، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولهما إحدى وستون درجة، وعرضهما خمس وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وهما مبنيان على جبلٍ مستطيل، وتحتهما نهر يجري، وبهما بساتين وأشجار وفواكه كثيرة، ولهما رستاق ومسجد جامع. قال في تقويم البلدان: وهما في الجنوب عن أنطاكية وبينهما الجبال.الحادي عشر- عمل شيزر- بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الزاي المعجمة وفي آخرها راء مهملة. وهي مدينة من جند حمص غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها، واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: القياس أن طولها إحدى وستون درجةً وعشر دقائق، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة ذات أشجار وبساتين وفواكه كثيرة وأكثرها الرمان، ولها ذكر في شعر امرىء القيس مع حماة. قال في العزيزي: وبينها وبين حماة تسعة أميال، وبينها وبين حمص ثلاثة وثلاثون ميلاً، وبينها وبين أنطاكية ستة وثلاثون ميلاً.الثاني عشر- عمل حجر شغلان بلفظ حجر واحد الحجارة وإضافته إلى شغلان بضم الشين وسكون الغين المعجمتين ثم لام ألف ونون. وهي قلعة شمالي حلب على نحو ثلاث مراحل منها. قال في مسالك الأبصار: وهي بالقرب من بغراس في جهة الشمال على مسافة قريبة جداً، ولم يتحرر لي طولها وعرضها ولكنها تعتبر ببغراس المتقدمة الذكر لقربها منها- وهي الآن خراب.الثالث عشر- عمل قلع أبي قبيسٍ- بهمزة مفتوحة وباء موحدة مكسورة بعدهما ياء ساكنة ثم قاف مضمومة وباء موحدة مفتوحة وياء مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة في الآخر- وهي قلعة حصينة غربي حلب مما يلي الساحل، على نحو ثلاث مراحل قصيرة من حلب، كذا أخبرني به بعض أهل البلاد، ولم يتحرر لي طولها وعرضها، وسيأتي في الكلام على ترتيب المملكة أنها استقرت ولايةً، وربما أضيفت إلى غيرها.الرابع عشر- عمل قلعة حارم- بحاء مهملة مفتوحة وألف ثم راء مهملة مكسورة وميم في الآخر. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي قلعة حصينة في جهة الغرب من حلب على نحو مرحلتين منها، ذات بساتين وأشجار، وبها نهر صغير وبينها وبين أنطاكية مرحلة؛ وربضها بلد صغير. قال ابن سعيد: وقد خصت بالرمان الذي يرى باطنه من ظاهره مع عدم العجم وكثرة الماء.الخامس عشر- عمل كفرطاب- بفتح الكاف وسكون الفاء وراء مهملة ثم طاء مهملة بعدها ألف وباء موحدة- على إضافة كفرٍ إلى طاب. هذا هو الجاري على الألسنة وهو الصواب، وأصله من الكفر بمعنى التغطية، والمراد مكان الزرع والحرث لتغطية الحب بالزراعة كما في قوله تعالى: {كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباته} يريد الزراع، ووقع في كلام صاحب حماة بفتح الفاء وهو وهمٌ.وظاهر كلام صاحب الروض المعطار أن طاب في معنى الصفة لكفرٍ فإنه قال: وسمي بذلك لأن حوله أرض كريمة. قال: وأرضه صحيحة الهواء ومن سكنها لا يكاد يمرض، وقيل إنه منسوب إلى رجل اسمه طاب- وهي بلدة صغيرة من جند حمص غربي حلب، على نحو ثلاث مراحل منها، واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في كتاب الأطوال: طولها إحدى وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. قال في تقويم البلدان: القياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس عشرة دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة- وهي على الطريق بين المعرة وشيزر. قال في العزيزي: وبينها وبين المعرة وشيزر اثنا عشر ميلاً.السادس عشر- عمل فأمية- بفتح الفاء وألف بعدها ثم ميم مكسورة وياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال في المشترك: ويقال لها أفأمية بهمزة في أولها يعني مفتوحة. وهي مدينة من أعمال شيزر، غربي حلب، على نحو أربع مراحل منها واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وثلاث دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة. قال في العزيزي: وكورة فأمية لها مدينة كانت عظيمة قديمة، على نشز من الأرض، ولها بحيرة حلوة يشقها النهر المقلوب.السابع عشر- عمل سرمين- بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الميم ثم ياء مثناة تحت ساكنة ونون بعدها. وهي مدينة في الغرب من حلب على نحو مرحلتين صغيرتين منها، واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في كتاب الأطوال: طولها إحدى وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. وهي مدينة غير مسورة؛ وبها أسواق ومسجد جامع؛ وشرب أهلها من الماء المجتمع في الصهاريج من الأمطار، وهي كثيرة الخصب، وبها الكثير من شجر التين والزيتون، وهي في جهة الجنوب عن حلب على مسيرة يوم منها وعملها متسع.ومن مضافاتها مدينة الفوعة بضم الفاء وفتح العين المهملة. وهي مدينة على القرب من سرمين في الغرب منها، وتسمى هذه الولاية الغربيات بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الباء الموحدة وفتح الياء المثناة تحت المشددة وألف ثم تاء مثناة فوق في الآخر. قال في التعريف: وهي أجل ولايات حلب.الثامن عشر- عمل الجبول- بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة ثم واو ساكنة ولام في الآخر- وهي بلدة شرقي حلب على نحو مرحلة كبيرة منها، وهي بالقرب من الفرات، ولم يتحرر لي طولها وعرضها. قال في تقويم البلدان: ومنها ينقل الملح إلى سائر أعمال حلب؛ وقد أخبرني بعض أهلها أن أصل هذا الملح نهرٌ يصل إليها يعرف بنهر الذهب فيبقى ماء فيما يمر عليه من البلدان حتى ينتهي إليها قينعقد ملحاً لوقته.التاسع عشر- عمل جبل سمعان- وضبطه معروف. وهي في جهة الشمال من حلب على يوم منها، ولم يتحرر لي طولها وعرضها.العشرون- عمل عزاز- بفتح العين المهملة والزاي المعجمة وألف ثم زاي ثانية مكسورة- كذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة أعزاز بهمزة مفتوحة في أولها وسكون العين والزاي الأخيرة في الوقف؛ وهي بلدة شمالي حلب بشرق على نحو مرحلة منها. قال في كتاب الأطوال: وطولها إحدى وستون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. وهي في شمالي حلب بميلة إلى الغرب. قال ابن سعيد: ولأعزاز جهات في نهاية الحسن والطيبة والخصب، وهي من أنزه الأماكن.الحادي والعشرون- عمل تل باشر- بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام ثم فتح الباء الموحدة وألف بعدها شين معجمة مكسورة وراء مهملة في الآخر- وهي حصن شمالي حلب على مرحلتين منها بالقرب من عينتاب المتقدم ذكرها. قال ابن سعيد: وهي ذات مياه وبساتين.الثاني والعشرون- عمل منبج- بفتح الميم وسكون النون وفتح الباء الموحدة وفي آخرها جيم- كذا ضبطه ابن الأثير في اللباب: وهي بلدة من جند قنسرين شرقي حلب على نحو مرحلتين منها واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال ابن سعيد: بناها بعض الأكاسرة الذين غلبوا على الشام وسماها منبه فعربت منبج، وكان بها بيت نارٍ للفرس، وهي كثيرة القني السارحة والبساتين، وغالب شجرها التوت، وأكثرها خراب.الثالث والعشرون- عمل تيزين- بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وكسر الزاي المعجمة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر- وهي بليدة صغيرة من أعمال حلب في جهة الغرب على نحو مرحلة منها.الرابع والعشرون- عمل الباب وبزاعا. وضبط الباب معروف، وبزاعا بضم الباء الموحدة وفتح الزاي المعجمة وألف بعدها عين مهملة وألف مقصورة في الآخر. كذا ضبطه في تقويم البلدان: والجاري على الألسنة بإبدال الألف في آخره بهاء. وهما بلدتان متقاربتان، من جند قنسرين على مرحلة من حلب على الجهة الشمالية الشرقية في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها اثنتان وستون درجة وعشر دقائق، والعرض خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة.أما الباب: فبليدة صغيرة. قال في تقويم البلدان: بها مشهد به قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وبها أسواق وحمام ومسجد جامع، وبها البساتين الكثيرة والنزه. وأما بزاعا فضيعة من أعمال الباب.الخامس والعشرون- عمل دركوش- بفتح الدال وسكون الراء المهملتين وضم الكاف وسكون الواو وشين معجمة في الآخر- وهي بلدة على النهر العاصي غربي حلب على نحو ثلاث مراحل منها، وأكثر زرع أرضها العنب. أخبرني بعض أهل تلك البلاد أن حبة العنب بها ربما بلغت في الوزن عشرة دراهم، وبها قلعة عاصية استولى هولاكو على قلاع الشام ما عداها لم يصل إليها.السادس والعشرون عمل أنطاكية. قال في اللباب: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء المهملة. قال في تقويم البلدان: ثم ألف وكاف مكسورة ثم ياء مثناة تحت وهاء في الآخر. قال ابن الجواليقي في المعرب: وياؤها مشددة. وخالف في الروض المعطار: فذكر أنها مخففة الياء- وهي مدينة عظيمة غربي حلب بشمال يسيرٍ على نحو مرحلتين منها. قال في تقويم البلدان: وهي قاعدة بلاد العواصم. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها ستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وهي مدينة عظيمة قديمة، على ساحل بحر الروم، بناها بطليموس الثاني من ملوك اليونان؛ وقيل بناها ملكٌ يقال له أنطاكين فعرفت به، ولها سورٌ عظيم من صخر ليس له نظير في الدنيا. قال في العزيزي: مساحة دوره اثنا عشر ميلاً. قال في الروض المعطار: عدد شرفاته أربع وعشرون ألفاً، وعدد أبراجه مائة وستة وثلاثون برجاً. قال ابن حوقل: وهو أنزه بلاد الشام بعد دمشق، ويمر بظاهرها العاصي والنهر الأسود مجموعين، وتجري مياههما في دورها ومساكنها ومسجدها الجامع، وماؤها يستحجر في مجاريه حتى لا يؤثر فيه الحديد، وشربه يحدث رياح القولنج، والسلاح بها يسرع إليه الصدأ ويذهب ريح الطيب بالمكث فيها، وهي أحد كراسي بطاركة النصارى، ولها عندهم قدر عظيم. وقد قيل في قوله تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين} إنها أنطاكية وأن ذلك الرجل حبيب النجار وقبره بها مشهور يزار. قلت: وحينئذ فتصير ولايتها المذكورة في التعريف ومسالك الأبصار: اثنتي عشرة ولاية.ومينا أنطاكية المذكورة السويدية بضم السين المشددة وفتح الواو وسكون الياء المثناة تحت وكسر الدال المهملة وفت الياء المثناة تحت المشددة وهاء في الآخر. قال في تقويم البلدان: وموضعها حيث الطول ستون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وعندها مصب النهر العاصي، وهناك ينعطف البحر الرومي ويأخذ غرباً بشمال على سواحل بلاد الأرمن.القسم الثاني من الأعمال الحلبية البلاد المتصلة بذيل البلاد المتقدم ذكرها في الأعمال الحلبية من الشمال:وهي المعروفة ببلاد الأرمن.قال في التعريف في مكاتبة متملك سيس: وهذه البلاد منها بلادٌ تسمى العواصم، ومنها بلادٌ كانت تسمى قديماً بالثغور، سميت بذلك لمثاغرتها الروم، وإلى مثل ذلك أشار في تقويم البلدان أيضاً.فالعواصم بفتح العين المهملة والواو وكسر الصاد المهملة وميم في الآخر. قال ابن حوقل: وهي اسم للناحية وليست موضعاً بعينه يسمى العواصم. قال: وقصبتها أنطاكية. قال: وعد ابن خرداذبه العواصم فكثرها وجعل منها كورة منبج، وكورة تيزين وبالس ورصافة هشام، وكورة جومة وكذا شيزر وأفأمية، وإقليم معرة النعمان، وإقليم صوران، وإقليم تل باشر وكفر طاب، وإقليم سلمية، وإقليم جوسية، وإقليم لبنان إلى أن بلغ إقليم قسطل بين حمص ودمشق.قلت: وأول من سماها بذلك الرشيد هارون حين بنى بها مدينة طرسوس الآتي ذكرها في سنة سبعين ومائة، والذي يظهر أنها سميت بذلك لعصمتها ما دونها من بلاد الإسلام من العدو، إذ كانت متاخمة لبلاد الكفر، واقعةً في نحر العدو، وعساكر المسلمين حافظة لها.والثغور جمع ثغرٍ بفتح الثاء المثلثة وسكون الغين المعجمة وفي آخره راء مهملة. قال في المشترك وهو اسم لكل موضع يكون في وجه العدو؛ قال: وثغور الشام كانت أذنة وطرسوس وما معهما فاستولى عليها الأرمن.وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه: أن الرشيد في سنة سبعين ومائة عزل الثغور كلها من الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزاً واحداً وسماها العواصم.قلت: ومقتضى ذلك أن تكون الثغور والعواصم اسماً على مسمىً واحد، وعليه ينطبق كلام المقر الشهابي بن فضل الله في التعريف. وقد حدد في التعريف هذه البلاد بجملتها فقال: وحدها من القبلة وانحراف للجنوب بلاد بغراس وما يليها؛ وحدها من الشرق جبال الدربندات؛ وحدها من الشمال بلاد ابن قرمان؛ وحدها من الغرب سواحل الروم المفضية إلى العلايا وأنطاليا. وسيأتي الكلام على أصل استيلاء الأرمن على هذه البلاد وانتزاعها منهم وعودها إلى الإسلام في الكلام على مكاتبة متملك سيس، على ما كان عليه الأمر قبل عودتها إلى الإسلام في مكاتبات ملوك الكفر إن شاء الله تعالى.ويشتمل على عدة نيابات، بعضها ذكره في التعريف وبعضها استجد بعد ذلك، وهي على ضربين أيضاً:الضرب الأول: الأعمال الكبار:وهي صفقتان: ساحلية وجبلية:فأما الجبلية، فثلاثة أعمال: الأول- عمل ملطية- بفتح الميم واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في الآخر. وهي مدينة شمالي حلب بميلة إلى الشرق على نحو سبع مراحل منها. قال ابن سعيد: وهي قاعدة بلاد الثغور، وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في الأطوال: وطولها إحدى وستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، ووافقه في القانون على الطول وجعل العرضثمانياً وثلاثين درجة؛ وقد عدها ابن حوقل من جملة بلاد الشام وقال إنها من قرى بلاد الروم على مرحلة. قال صاحب حماة: والأليق عدها من بلاد الروم. ثم قال: وعدها بعضهم من الثغور الجزرية. قال في الروض المعطار: وكانت قديمة فخربتها الروم، فبناها أبو جعفر المنصور يعني ثاني خلفاء بني العباس في سنة تسع وثمانين ومائة، وجعل عليها سوراً محكماً- وهي بلدة ذات أشجار وفواكه وأنهار، وهي مسورة في بسيط من الأرض والجبال محتفة بها من بعدٍ، ولها نهر صغير يمر بسورها، ولها قني تدخلها وتجري في دورها إلا أنها شديدة البرد- وهي في شمالي الجبل الدائر الذي بسيس في غربيه في الجنوب عن سيواس، وبينهما نحو ثلاث مراحل، وفي الغرب عن كختا وبينهما نحو مرحلتين. وقد ذكر في تقويم البلدان: أنها فتحت في سنة خمس عشرة وسبعمائة.الثاني- عمل درندة- بفتح الدال والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال الثانية وهاء في الآخر- وهي مدينة في جهة الغرب عن مليطة على نحو مرحلة، ذات بساتين وأنهار وعيون ماء تجري، وبينها وبين حلب نحو عشرة أيام.الثالث- عمل دبركي- بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وكسر الكاف وياء مثناة تحت في الآخر. وقد يقال دوركي بإبدال الباء واواً. وهي مدينة في جهة الشمال والغرب من حلب، على نحو عشر مراحل منها، بها بساتين وأشجار، وبينها وبين حلب نحو اثني عشر يوماً.وأما الساحلية، فإن بها خمسة أعمال:الأول- آياس- بفتح الهمزة الممدودة والياء المثناة تحت ثم ألف وسين مهملة في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل البحر، وموقعا في الإقليم الرابع. قال في الزيج: طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، وهي فرضة تلك البلاد، وبينها وبين بغراس المتقدم ذكرها مرحلتان. قال في التعريف: وقد جعلت نيابةً جليلة نحو حمص، وجعل أمرها إلى نائب الشام، ثم جعلت إلى نائب حلب، وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية إضافة إلى نهر جاهان المجاور لها، وهو جيحان المتقدم ذكره؛ وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ولذلك قال في التعريف: والعهد بفتحها قريب.الثاني- عمل طرسوس- بفتح الطاء والراء المهملتين جميعاً وضم السين المهملة وسكون الواو ثم سين ثانية- هكذا ضبطه في اللباب والجاري على الألسنة سكون رائها، وهي مدينة من بلاد الأرمن على ساحل بحر الروم شمالاً بغرب عن حلب، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ثمان وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال في الروض المعطار: وهي مدينة مسورة، بناها الرشيد في سنة سبعين ومائة وأكملها في سنة اثنتين وسبعين؛ ولها خمسة أبواب: باب الجهاد، وباب الصفصاف، وباب الشام، وباب البحر، والباب المسدود.والنهر يشق في وسطها وعليه قنطرتان داخل البلد. قال ابن حوقل: وهي في غاية الخصب، وبينها وبين حد الروم جبال هي الحاجز بين الروم والمسلمين، وبها دفن المأمون بن الرشيد، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الناصرية حسن بن محمد بن قلاوون.الثالث- عمل أدنة- بهمزة ودال مهملة ونون مفتوحات وهاء في الآخر. وهي مدينة من بلاد الأرمن واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في بعض الأزياج: طولها تسع وخمسون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. قال أحمد بن يعقوب الكاتب في كتابه المسالك والممالك: وهي من بناء الرشيد. قال ابن حوقل: وهي مدينة حصينة عامرة، وبينها وبين طرسوس ثمانية عشر ميلاً.الرابع- عمل سرفندكار- بكسر السين وسكون الراء المهملتين وفتح الفاء وسكون النون وفتح الدال المهملة والكاف ثم ألف وراء مهملة- هكذا ضبطه صاحب حماة، ثم قال: وقد يجعل موضع الفاء واواً فيقال سروندكار والموجود في الدساتير إسفندكار بهمزة في الأول وسقوط الراء الأولى؛ وهي قلعة من بلاد الأرمن واقعة في الإقليم الرابع. قال في الزيج: طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي قلعة حصينة في واد على صخر، وبعض جوانبها ليس له سور للاستغناء عنه بالصخر، وهي على القرب من نهر جيحان من البر الجنوبي في الشرق عن تل حمدون على نحو أربعة أميال.الخامس- عمل سيس بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة تحت ثم سين مهملة ثانية- هذا هو المعروف في زماننا، ووقع في كلام الصاحب كمال الدين بن العديم أن اسمها سيسة بإثبات هاء في آخرها، وكلامه في العزيزي يوافقه. وهي قاعدة بلاد الأرمن وموقعها في الإقليم الرابع. قال في الزيج: طولها ستون درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. وهي بلدة كبيرة ذات بساتين وأشجار، ولها قلع حصينة عليها ثلاثة أسوار على جبل مستطيل، بناها بعض خدام الرشيد وهو الذي سماها. قال ابن سعيد: وكانت قاعدة الثغور الشمالية. قال في العزيزي: وبينها وبين المصيصة أربعة وعشرون ميلاً، وكانت استعادتها من الأرمن في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين. قلت: وقد كانت سيس في أعقاب الفتح نيابة مستقلة، ثم صارت تقدمة عسكر مضافة إلى حلب كما يقع في غزة في كونها تارة تكون نيابة مستقلة، وتارة تقدمة عسكر مضافة إلى دمشق على ما تقدم ذكره.الضرب الثاني من الأعمال الصغار: بلاد الأرمن:وهي ثلاثة عشر عملاً لثلاث عشرة قلعة، لم تجر العادة بمكاتبة أحد من نوابها عن الأبواب السلطانية، ذكر بعضها في التعريف وبعضها في التثقيف وبعضها في غيرهما من الدساتير.الأول- عمل قلعة باري كروك بفتح الباء الموحدة وألف بعدها راء مهملة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم كاف مفتوحة وراء مهملة وواو ساكنة ثم كاف في الآخر. وهي قلعة على رأس جبل بالقرب من طرسوس في الشمال، على نحو نصف مرحلة قال في التثقيف: استجدت في سنة ستين وسبعمائة. قلت افتتحها بيدمر الخوارزمي نائب سيس في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون.الثاني عمل كاورا بفتح الكاف وبعدها ألف وواو وراء مفتوحة مشددة وألف في الآخر. وهي قلعة في الشمال عن آياس على جبل مطل على البحر الرومي على نحو ساعة. قال في التثقيف: استجدت سنة تسع وستين وسبعمائة.الثالث عمل كولاك بفتح الكاف وسكون الواو ولام ألف بعدها كاف ثانية. وهي قاعة على رأس جبل في الشمال عن طرسوس على نحو مرحلة يسكنها طائفة من التركمان.الرابع عمل كرزال بكاف مكسورة وراء مهملة ساكنة وزاي معجمة مفتوحة وبعدها ألف ثم لام. وهي قلعة صغيرة على رأس جبل بالقرب من كولاك المتقدم ذكرها على نحو مرحلة. قال في التثقيف: استجدت في سنة نيف وسبعين وسبعمائة.الخامس عمل كومي بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وياء مثناة تحت في الآخر.السادس عمل تل حمدون بفتح التاء المثناة فوق وتشديد اللام وفتح الحاء المهملة وإسكان الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو ونون في الآخر.وهي قلعة ببلاد الأرمن، وموقعها في الإقليم الرابع. قال ابن سعيد: طولها تسع وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة. قال صاحب حماة: كانت قبل أن يخربها المسلمون قلعةً حصينة حسنة البناء على تل عال، ولها سور مانع وربض وبستين ونهر يجري، وعلى القرب من جيحان في جهة الجنوب على نصف مرحلة، وبينها وبين آياس نحو مرحلة، وبينها وبين سيس نحو مرحلتين.السابع- عمل الهارونيتين- بفتح الهاء وألف بعدها ثم راء مهملة مضمومة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت مشددة مفتوحة ثم تاء مثناة فوق بعدها ألف ونون. قال في التعريف: وهما حصنان بناهما هارون الرشيد. وقال في المشترك: الهارونية مدينة صغيرة اختطها هارون الرشيد بالثغور في طرف جبل اللكام. وقال في العزيزي: الهارونية آخر حدود الثغور الشامية مما يتصل بالحدود الجزرية، وبينها وبين الكنيسة السوداء اثنا عشر ميلاً. قال في كتاب الأطوال: وطولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة.الثامن عمل قلعة نجمة بفتح النون وسكون الجيم وفتح الميم وهاء في الآخر. وهي قلعة على القرب من الفرات بينها وبين جسر منبج خمسة وعشرون ميلاً. قال في تقويم البلدان: وهذه القلعة في السحاب. قال: وكان يقال لذلك المكان حصن منبج فصارت تعرف بقلعة نجمة. ثم قال: وهي من بناء السلطان محمود بن زنكي. قلت: وفي التعريف ما يقتضي أنها من جملة بناء المأمون.التاسع عمل قلعة حميمص. وهي قلعة خراب صغيرة بالقرب من نهر جيحان.العاشر- عمل قلعة لؤلؤة- وهي قلعة شمالي كولاك استعادها ابن عثمان.الحادي عشر عمل قلعة تامرون شمالي طرسوس، بيد عيسى بن ألاس البرسقي التركماني.الثاني عشر عمل سنياط شمالي طرسوس. كانت داخل المملكة استولى عليها ابن قرمان في أيام المنصور بن الأشرف شعبان.الثالث عشر عمل بلسلوص غربي طرسوس على ساحل البحر، بيد حسن بن قوسي البرسقي التركماني.القسم الثالث من الأعمال الحلبية البلاد المجاورة للفرات من شرقيه من بلاد الجزيرة الواقعة بين الفرات ودجلة:وهي ثلاثة أعمال الأول- عمل البيرة بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الراء المهملة وألف في الآخر. وهي قلعة في البر الشرقي في الشمال عن الفرات في الشرق عن قلعة الروم المتقدم ذكرها على نحو مرحلة والفرات بينهما.وقد عدها في تقويم البلدان من جند قنسرين من أعمال الشام، وموقعها في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في بعض الأزياج: طولها اثنتان وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي قلعة ذات ارتفاع وحصينةٌ لا ترام. قال في تقويم البلدان: ولها سوق وعمل. قال ابن سعيد: وقلعتها على صخرة. قال في التعريف: ولها منعة وعسكر.الثاني- عمل قلعة جعبرٍ- بفتح الجيم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر. وهي قلعة من ديار بكر في البر الشرقي الشمالي من الفرات أيضاً، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في الأطوال: طولها اثنتان وستون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. قال القاضي جمال الدين بن واصل: وكانت هذه القلعة تعرف قديماً بالدوسرية نسبة إلى دوسر: عبد النعمان بن المنذر، وهو الذي بناها أولاً لما جعله النعمان على أفواه الشام، ثم تملكها سابق الدين جعبر القشيري في أيام الملوك السلجوقية فعرفت به، ثم انتزعها منه السلطان ملكشاه السلجوقي. قال صاحب حماة: وهي في زماننا خراب ليس بها ديار. قلت: وذلك أثناء الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم عمرت بعد ذلك في آخر الدولة الناصرية أو بعدها بقليل؛ وقد أشار إلى ذلك في التعريف حين تعرض لذكرها في آخر مضافات الشام قبل ذكر حلب بقوله: وهي مجددة البنيان، مستجدة الآن، لأنها جددت منذ سنوات، بعد أن طال عليها الأمد، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد وكان قد ذكر قبل ذلك في الكلام على تقاسيم الشام أنها مضافة إلى دمشق ثم قال: وحقها أن تكون مع حلب، وقد صارت الآن من مضافات حلب.الثالث- عمل الرها- بضم الراء المهملة وفتح الهاء وألف في الآخر.وهي مدينة من ديار مضر في البر الشرقي الشمالي عن الفرات، وموقعها في الإقليم الرابع بالقرب من قلعة الروم. قال في الأطوال: طولها اثنتان وستون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها سبع وثلاثون درجة. قال في العزيزي: وهي مدينة عظيمة رومية، فيها آثار عجيبة. قال في الروض المعطار: وهي مدينة ذات عيون كثيرة تجري منها الأنهار، وبها البساتين والأشجار الكثيرة، وعليها سور من حجارة، ولها أربعة أبواب: باب حران، والباب الكبير، وباب سبع، وباب الماء.قال: وليس في بلاد الجزيرة أحسن منتزهات منها ولا أكثر فواكه؛ والفرات منها في ناحية الغرب على مسيرة يومين، وفي ناحية الشمال على مسيرة يوم. قال في تقويم البلدان: وكان بها كنيسة عظيمة، وفيها أكثر من ثلثمائة دير للنصارى.قال: وهي اليوم خراب يعني في أثناء الدولة الناصرية، ثم عمرت بعد ذلك. قلت: وهي اليوم عامرة آهلة، والله وتعالى أعلم.القاعدة الثالثة من قواعد المملكة الشامية حماة:وقد ذكرها في مسالك الأبصار بعد دمشق؛ وهو أليق لقربها منها، ولكنه قد ذكرها في التعريف بعد حلب فتبعه على ذلك؛ وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:وهي بفتح الحاء المهملة والميم وألف ثم هاء في الآخر. وموقعها في الإقليم الرابع بين حمص وقنسرين. قال في تقويم البلدان: وطولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وأربعون دقيقة؛ وهي مدينة قديمة أزلية. قال في تقويم البلدان: ولها ذكر في التوراة، وهي على ضفة العاصي مكينة البناء، ولها سورٌ جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي؛ وبها القصور الملوكية، والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعاً من الأنواع؛ وبها قلعة مبنية بالحجارة الملونة؛ وغالب مبانيها العلية، وآثار الخير والبر الباقية فيها من فواضل نعم الدولة الأيوبية؛ وبها نواعير مركبة على العاصي، تدور بجريان الماء، ويرفع الماء إلى الدور السلطانية ودور الأمراء والأكابر والبستاتين؛ وفي بساتينها الغراس الفائق والثمار الغريبة؛ ولم يكن لها في القديم نباهة ذكر، وكان الصيت لحمص دونها، ثم تنبه ذكرها في الدولة الأتابكية زنكي؛ فلما آلت إلى ملوك بني أيوب مصروها بالأبنية العظيمة، والقصور الفائقة، والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء، وتجنيد الأجناد فيها؛ وعظموا أسواقها وزادوا في غراسها، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كل من فاق في فنه إلى أن اكتملت محاسنها، وصارت معدودة من أمهات البلد وأحاسن المماليك؛ وهي في غاية رفاهة العيش إلا أنها شديدة الحر محجوبة الهواء، ويعرض لها في الخريف تغيير تنسب به إلى الوخامة، ولا يبقى الثلج إلى الصيف كما يبقى في بقية الشام، وإنما يجلب إليها مما يجاورها؛ وحولها مروج فيحٌ ممتدة يكثر فيها مصايد الطير والوحش؛ وليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير، ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاوراتها قريب ولا بعيد. وقال في الروض المعطار: وبينها وبين حمص أربعون ميلاً، ولم تزل بأيدي بقايا الملوك الأيوبية من جهة صاحب مصر، يقيم ملوكهم فيها ملكاً بعد ملك إلى أن كان بها منهم آخر الأيام الناصرية محمد بن قلاوون المتقدم ذكره، واستقر فيها بالأمير طغيتر الحموي: أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية نائباً؛ واستمرت بأيدي النواب يليها مقدم ألف بعد مقدم ألف إلى الآن.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:قال في التعريف: وحدها من القبلة مدينة الرستن وما سامتها آخذاً بين سلمية وقبة ملاعب، إلى حيث مجر النهر والآثار القديمة؛ وحدها من الشرق البر آخذاً على سلمية إلى ما استفل عن قبة ملاعب؛ وحدها من الشمال آخر حد المعرة من العريا، وحدها من الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة؛ وليس بها نواب قلاع البتة ولها ثلاثة أعمال: الأول- عمل برها- وهو ظاهرها وما حولها كما تقدم في دمشق وحلب.الثاني- عمل بارين- بفتح الباء الموحدة وألف بعدها وكسر الراء المهملة وسكون الياء المثناة تحت ونون في الآخر- وهي بلدة على مرحلة من حماة في الغرب عنها بميلة يسيرة إلى الجنوب؛ وموقعها في الإقليم الرابع. قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة.الثالث- عمل المعرة- بفتح الميم والعين المهملة ثم راء مهملة مشددة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي مدينة من جند حمص واقعة في الإقليم الرابع. قال في كتاب الأطوال: طولها إحدى وستون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها إحدى وستون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعين دقيقة، وتعرف بمعرة النعمان. قال البلاذري: إضافة إلى النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه. قال في العزيزي: وهي مدينة جليلة عامرة كثيرة الفواكه والثمار والخصب، وشرب أهلها من الآبار. قال في الروض المعطار: ولها سبعة أبواب: باب حلب، والباب الكبير، وباب شيث، وباب الجنان، وباب حمص، وباب كذا. قال: ويذكر أن قبر شيث بن آدم عليه السلام عند الباب المنسوب إليه فيها، وداخلها قبر يوشع بن نون عليه السلام، وعلى ميلٍ منها دير سمعان الذي به قبر عمر بن عبد العزيز. قال السمعاني: والنسبة إليها معرنمي. قال: وبالشام بلدة أخرى تسمى معرة نسرين بالنون والسين المهملة، والنسبة إليها معرنسي. قال صاحب حماة: والمشهور في الثانية أنها معرة مصرين بميم وصاد مهملة.القاعدة الرابعة من قواعد المملكة الشامية أطرابلس:وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:وهي بفتح الهمزة وسكون الطاء وفتح الراء المهملتين ثم ألف وباء موحدة ولام مضمومتين وسين مهملة في الآخر. قال السمعاني: وقد تسقط الألف منها فرقاً بينها وبين أطرابلس التي في الغرب، وأنكر ياقوتٌ في المشترك سقوطها وعاب على المتنبي حذفها منها في بعض شعره. قال في الروض المعطار: ومعنى أطرابلس فيما قيل ثلاث مدن، وقيل مدينة الناس. وهي مدينة من سواحل حمص واقعةٌ في الإقليم الرابع. قال في كتاب الأطوال: طولها تسع وخمسون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها أربع وثلاثون درجة؛ وكانت في الأصل من بناء الروم فلما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة في الأيام الأشرفية خليل بن قلاوون رحمه الله، خربوها وعمروا مدينة على نحو ميل منها وسموها باسمها، وهي الموجودة الآن؛ ولما بنيت هذه المدينة الجديدة كانت وخيمة البقعة، ذميمة السكن. فلما طالت مدة سكنها وكثر بها الناس والدواب وصرفت المياه الآسنة التي كانت حولها وعملت بساتين، ونصبت بها النصوب والغروس، خف ثقلها وقل وخمها.قال في مسالك الأبصار: ولما ولي نيابتها استدمر الكرجي كان لا ينفك عن كونه وخماً فشكا ذلك إلى سليمان بن داود المتطبب، فأشار عليه أن يستكثر فيها من الإبل وسائر الدواب ففعل فخف وخمها. قال: وقد سألت عن علة ذلك الكثير من الأطباء فلم يجيبوا فيه بشيء.قلت: لا خفاء أن المعنى في الإبل ما أشار به النبي صلى الله عليه وسلم في أمر العرنيين حين استوخموا المدينة أنهم يقيمون في إبل الصدقة ويشربون من ألبانها وأبوالها ففعلوا ذلك فصحوا، فكأن ذلك من خاصة الإبل. ولعل التأثير في ذلك للإبل خاصةً دون سائر الدواب. وهي الآن مدينة متمدنة كثيرة الزحام؛ بها مساجد، ومدارس، وزوايا، وبيمارستان، وأسواق جليلة، وحمامات حسان؛ وجميع بنائها بالحجر والكلس مبيضاً ظاهراً وباطناً، وغوطتها محيطة بها، وتحيط بغوطتها مزدرعاتها؛ وهي بديعة المشترف؛ ولها نهر يحكم على ديارها وطباقها يتخرق الماء في مواضع من أعالي بيوتها التي لا يرقى إليها إلا بالدرج العلية؛ وحولها جبال شاهقة، صحيحة الهواء، خفيفة الماء، ذات أشجار وكروم ومروج ومواش، وميناها مينا جليلة، تهوي إليها وفود البحر الرومي وترسو بها مراكبهم، وتباع بها بضائعهم. وهي بلدة متجر وزرع، كثيرة الفائدة. وقد تقدم في الكلام على عجائب الشام أن داخل البحر بالقرب منها على نحو رمية حجر عن البر عيناً فوارة عذبة الماء تطفو على وجه الماء قدر ذراع أو أكثر، تبين ذلك عند سكون الريح.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:قال في التعريف: وحدها من القبلة جبل لبنان ممتداً على ما يليه من مرج الأسد، حيث يمتد النهر العاصي؛ وحدها من الشمال قلاع الدعوة؛ وحدها من الغرب البحر الرومي. وأعمالها على قسمين:القسم الأول: الأعمال الكبار التي يكاتب نوابها عن الأبواب السلطانية:وهي على ضربين:الضرب الأول: مضافاتها نفسها:وهي ست نيابات:الأول- عمل حصن الأكراد- بإضافة حصن واحد الحصون إلى الأكراد الطائفة المشهورة؛ وهي قلعة من جند حمص، وموقعا في الإقليم الرابع.قال في تقويم البلدان: والقياس أن طولها ستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربعة وثلاثون درجة. قال في المشترك: وهي قلعة حصينة مقابل حمص من غربيها، على الجبل المتصل بجبل لبنان نحو مرحلة من حمص. قال في التعريف: وهي حصن جليل وقلعة شماء، لا تبعد منها السماء. قال: وكانت محل النيابة ومقر العسكر قبل فتح طرابلس.الثاني- عمل حصن عكار- بإضافة حصن إلى عكارٍ- بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وبعدها ألف ثم راء مهملة- وهي قلعة على مرحلة من طرابلس في جهة الشرق بوسط جبل لبنان في وادٍ والجبل محيط بها، وشربأهلهامن عين تجري إليها من ذيل لبنان المذكور، ولها ربض ليس بالكبير.الثالث- عمل بلاطنس- بفتح الباء الموحدة وبعدها لام ألف ثم طاء مهملة ونون مضمومتان وسين مهملة في الآخر- وهي قلعة بالقرب من مدينة مصياف في جهة الغرب منها على نصف مرحلة، وفي جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين.الرابع- عمل صهيون- بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء وضم الياء المثناة تحت وسكون الواو ثم نون في الآخر- وهي قلعة من جند قنسرين في الإقليم الرابع. قال في الزيج: طولها ستون درجة وعشر دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشر دقائق. وهي من القلاع المشهورة، ذات حصانة ومنعة، مبنيةٌ على صخر أصم، في ذيل جبل يظهر من اللاذقية وبينهما نحو مرحلة، وهي في الشرق عن اللاذقية بميلة إلى الجنوب، وبها المياه الكثيرة حاصلةً من الأمطار.الخامس- عمل اللاذقية- بألف ولام لازمتين وذال معجمة وقاف مكسورتين وياء مثناة تحت مشددة مفتوحة وهاء في آخره. وهي مدينة من سواحل الشام واقعة في الإقليم الرابع. قال في الأطوال: طولها ستون درجة وأربعون دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة. وعدها في العزيزي من أعمال حمص ثم قال: وهي مدينة جليلة بل هي أجل مدينة بالساحل منعةً وعمارةً، ولها مينا حسنة، ومنها إلى أنطاكية ثمانية وأربعون ميلاً، وقد عدها في التعريف في جملة ولايات طرابلس على ما كانت عليه إذ ذاك، ثم استقرت بعد ذلك نيابة، وهي الآن أعظم نيابات طرابلس.السادس- عمل المرقب- بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وباء موحدة في الآخر. وهي قلعة بالقرب من ساحل البحر الرومي، وموقعها في الإقليم الرابع. قال في الزيج: طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وهي قلعة حصينة حسنة البناء مشرفة على البحر وعلى نحو فرسخ منها مدينة بلنياس بكسر الباء الموحدة واللام وسكون النون وياء مثناة تحت وألف وسين مهملة- وفي الغالب تضاف إليها فيقال المرقب وبلنياس، وهي مدينة حسنة على الساحل، ذات مياه وأعين تجري وفواكه كثيرة.قال في العزيزي: وبينها وبين أنطرطوس اثنا عشر ميلاً؛ ولم يتعرض لذكر المرقب في التعريف ولا في مسالك الأبصار.الضرب الثاني قلاع الدعوة:بفتح الدال، سميت بذلك لأنها كانت بيد الإسماعيلية من الشيعة المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، وهم يسمون أنفسهم أصحاب الدعوة الهادية؛ وهؤلاء هم المعروفون في ديوان الإنشاء بالقصاد، وبين العامة بالفداوية؛ وسيأتي الكلام على معتقدهم في الكلام على القصاد، ثم في الكلام على تحليف أهل البدع في باب الأيمان إن شاء الله تعالى- وهي سبع قلاع، عظيمة الشأن، رفيعة المقدار؛ لا تسامى منعةً ولا ترام حصانةً، وكانت أولاً كلها مضافة إلى طرابلس ثم نقلت مصياف منها إلى دمشق على ما تقدم ذكره، والبقية على ما كانت عليه من إضافتها إلى طرابلس.وهي ستة أعمال: الأول- عمل الرصافة- بألف ولام لازمتين في أولها وراء مهملة مضمومة وصاد مفتوحة بعدها ألف ثم فاء وهاء- وهي قلعة بالقرب من مصياف، وبالشام بلدة أخرى يقال لها الرصافة أيضاً وتعرف برصافة هشام، على أقل من مسافة يوم من الجانب الغربي من الفرات.الثاني- عمل الخوابي- بفتح الخاء المعجمة والواو ثم ألف وباء موحدة مكسورة وياء في الآخر- وهي قلعة في جهة الشمال من طرابلس على نحو مرحلتين، وقد تقدم في الكلام على خواص الشام أن بسورها مكاناً لا ينظره ملسوع أو رسوله إلا برأ ذلك الملسوع ولم يضره السم.الثالث- عمل القدموس- بفتح القاف والدال المهملة وضم الميم وسكون الواو وسين مهملة في الآخر- وهي قلعة بالقرب من الخوابي المقدمة الذكر، وقد تقدم في الكلام على خواص الشام أن بها حماماً يظهر منه أنواع من الحيات وتمشي بين الناس لا تضر أحداً البتة.الرابع- عمل الكهف- بفتح الكاف وسكون الهاء وفاء في الآخر. وهي قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة على نشز جبل مرتفع عال يرى على بعد.الخامس- عمل المينقة- بفتح الميم وسكون الياء المثناة تحت وفتح النون والقاف وهاء في الآخر- وهي قلعة بالقرب من الكهف على نحو ساعة على جبل مرتفع أيضاً.السادس- عمل العليقة- بضم العين المهملة وفتح اللام المشددة وسكون الياء المثناة تحت وفتح القاف وهاء في الآخر- وهي قلعة على الجبل المذكور على نحو ساعة من المينقة.القسم الثاني من أعمال طرابلس: الأعمال الصغار:وهي ستة أعمال:قال في التعريف: سوى ما نقل في تلك القلاع مما له ولاية.الأول- عمل أنطرطوس- قال في اللباب: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وضم الطاء المهملة وسكون الواو وسين مهملة في الآخر. قال في كتاب الأطوال: وموضعها حيث الطول ستون درجة، والعرض أربع وثلاثون درجة وعشر دقائق. وهي بلدة بالساحل. قال في تقويم البلدان: وهي ثغرٌ لأهل حمص فتحها المسلمون وخربوا أسوارها، وهي الآن آهلة. قال: وكان بها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه.الثاني- عمل جبة المنيظرة بإضافة جبةٍ بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وتاء التأنيث إلى المنيظرة بضم الميم وفتح النون وسكون الياء المثناة تحت وفتح الظاء المعجمة والراء المهملة وهاء في الآخر.الثالث- عمل الظنيين- بألف ولام لازمتين وظاء معجمة مفتوحة مشددة ونون مشددة مكسورة وياء مثناة تحت مكسورة بعدها ياء ثانية ساكنة ثم نون- وهي كورة بين مصياف وفأمية، وليس بها مقر ولاية.الرابع- عمل بشريه- بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة تحت وهاء في الآخر- هكذا مكتوب في التعريف: والجاري على الألسنة بشراي بإبدال الهاء ياء مثناة تحت.الخامس- عمل جبلة- بفتح الجيم والباء الموحدة واللام ثم هاء في الآخر- وهي بلدة صغيرة بساحل البحر الرومي من الإقليم الرابع. قال في الأطوال: طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس خمسون دقيقة. قال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وخمس وخمسون دقيقة. قال في العزيزي: ولها أعمال واسعة، وبينها وبين اللاذقية اثنا عشر ميلاً، وبينها وبين أنطاكية ثمانية وأربعون ميلاً، وبها مقام إبراهيم بن أهم رحمه الله.السادس- عمل أنفة- بفتح الهمزة المقصورة والنون والفاء وبهاء في الآخر- وهي بلدة على البحر الرومي تردها المراكب بقلة.القاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية صفد:وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:وهي بفتح الصاد المهملة والفاء وتاء مثناة فوق في آخرها. وهكذا ضبطه في تقويم البلدان. ثم قال: والمشهور على ألسنة الناس أن مكان التاء دالاً مهملة؛ وهي مدينة من جند الأردن، واقعة في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة.قال في الزيج: طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال في تقويم البلدان: وهي بلدة متوسطة بين الكبر والصغر، وذكر العثماني في تاريخ صفد: أنه كان مكانها أولاُ قرية وأصل الصفت في لغتهم العطية، سميت بذلك لأن الفرنج أعطتها للطائفة الدموية منهم لا يشاركهم فيها أحد. قال: وقد تكون سميت بذلك أخذاً من الصفد، وهو الغل لأن صاحب الغل يمتنع من الحركة ويلزم موضعه، وكذلك هذا البلد لأنها في جبل عال لا يتمكن ساكنه من الحركة في كل وقت، إن ركب تعب وإن مشى على قدمه اختلط لحمه بدمه لصعود الربوة وهبوط الوهدة، فيستقر في مكانها ويقنع بالنظر، وربضها منتشر العمارة على ثلاثة أجبل، وأكثر ما يدخل أهلها حمامات الوادي لقلة الماء بها وسوء بناء حماماتها، وبساتينها تحتها في الوادي إلى جهة طبرية، وكل ما يوجد في دمشق يوجد فيها: إما من بلادها، وإما مجلوب إليها من دمشق؛ ونيابتها نيابة جليلة ونائبها من أكبر الأمراء المقدمين؛ ولها قلعة حصينة ذات بساتين تشرف على بحيرة طبرية، يحف بها جبال وأودية. قال ابن الواسطي: بنتها الفرنج سنة خمس وتسعين وأربعمائة، ولما فتحها الظاهر بيبرس رحمه الله عظم شأنها ورفع مقدارها. قال في مسالك الأبصار: وهي جديرة بالتعظيم فقل أن يوجد لها شبيه، ولا يعلم لها نظير. ولهذه القلعة نائب مستقل من قبل السلطان يولى من الأبواب الشريفة بمرسوم شريف؛ وعادته أن يكون من أمراء الطبلخاناه، ولا حكم لنائب السلطنة بالبلد عليه بل هو مستقل بنفسه كما في نائب قلعتي دمشق وحلب.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:قال في التعريف: وحدها من القبلة الغور حيث جسر الصنبرة من وراء طبرية؛ وحدها من المشرق الملاحة الفاصلة بين بلاد الشقيف وبين حولة بانياس؛ وحدها من الشمال نهر ليطا، وحدها من الغرب البحر. وليس في أعمالها نيابة أصلاً. وقد ذكر لها في مسالك الأبصار أحد عشر عملاً:الأول- عمل برها- كما في دمشق وحلب وغيرهما من القواعد المتقدمة.الثاني- عمل الناصرة- بالألف واللام اللازمتين ونون مفتوحة بعدها ألف ثم صاد مهملة مكسورة وراء مهملة مفتوحة وهاء في الآخر- وهي بليدة صغيرة قال في الروض المعطار: على ثلاثة عشر ميلاً من طبرية. قال: ويقال إن المسيح عليه السلام ولد بها، وأهل القدس ينكرون ذلك ويذكرون أنها ولدته بالقدس، والمعروف أن أمه حين عادت به من مصر إلى الشام وعمره يومئذ اثنتا عشرة سنة نزلت به القرية المذكورة، وهي اليوم منبع الطائفة النصيرية. والذي ذكره العثماني في تاريخ صفد: أن أهل هذه البلاد منسوبون إلى الدين.الثالث- عمل طبرية- بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة وكسر المهملة وفتح الياء المثناة تحت وتشديدها وهاء في الآخر- وهي مدينة من جند الأردن بناها طبريون أحد ملوك اليونان البطالسة فعرفت به ثم عربت طبرية، والنسبة إليها طبراني للفرق بينها وبين طبرستان من نواحي بلاد الشرق حيث ينسب إليها طبري؛ وموقعها في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: وطولها ثمان وخمسون درجة وخمس وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمسون دقيقة. وقال في رسم المعمور: طولها سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وتبعه ابن سعيد على ذلك. وقال في تقويم البلدان: القياسأن طولها سبع وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة، وهي في الغور في سفح جبل على المتقدمة الذكر في بحيرات الشام. قال في مسالك الأبصار: ومن عملها قدس. قال: وكان معها قديماً السواد وبيسان ثم خرجا عنها. قال العثماني في تاريخ صفد: ومن ولايتها البطيحة كفر عاقب.الرابع- عمل تبنين وهونين- بعطف الثاني على الأول.فأما تبنين، فبتاء مثناة فوق مكسورة وباء موحدة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر.وأما هونين، فبهاء مضمومة وواو ساكنة ونون مكسورة بعدها ياء مثناة تحت ساكنة ونون في الآخر. قال في مسالك الأبصار: وهما حصنان بنيا بعد الخمسمائة بين صور وبانياس بجبل عاملة المتقدم ذكره في جبال الشام المشهورة، وجعل العثماني في تاريخ صفد قلعة هونين من عمل الشقيف، وأهل هذا العمل شيعةٌ رافضة.الخامس- عمل عثليث- بفتح العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وثاء مثلثة في الآخر- وهي كورة بين قاقون وعكا، فيها قرىً متسعة وليس بها مقر ولاية معلوم. قال العثماني في تاريخ صفد: وفي آخر هذا العمل بلاد قاقون وهو آخر الأعمال الصفدية.السادس- عمل عكا- بفتح العين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة وألف في الآخر- وهي مدينة من سواحل الشام. قال العثماني في تاريخ صفد: بناها عبد الملك بن مروان، ثم غلبت عليها الفرنج، ثم انتزعها منهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم غلبوا عليها ثانياً، ثم استرجعت.وهي واقعة في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وعشرون دقيقة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، وقيل غير ذلك؛ وقد خربت بعد أن استرجعها المسلمون من الفرنج في سنة تسعين وستمائة في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون؛ وبها مسجد ينسب لصالح عليه السلام، وبينها وبين طبرية أربعة وعشرون ميلاً، وكانت هي قاعدة هذا الساحل قبل صفد. فلما خربت أقيمت صفد مقامها وصارت هي ولاية.السابع- عمل صور- بضم الصاد المهملة وسكون الواو وراء مهملة في الآخر- وهي مدينة قديمة بساحل دمشق، واقعة في الإقليم الثالث. قال في الأطوال: طولها ثمان وخمسون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثنتان وثلاثون دقيقة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها سبع وخمسون درجة، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وخمس دقائق. وبناؤها من أعظم أبنية الدنيا؛ وكانت من أحصن الحصون التي على ساحل البحر؛ فلما فتحها المسلمون في سنة تسعين وستمائة مع عكا خربوها خوفاً أن يتحصن بها العدو، وهي خراب إلى الآن. ويقال إنها أقدم بلد بالساحل، وإن عامة حكماء اليونان منها. قال الشريف الإدريسي: وكان بها مرسىً، يدخل إليه من تحت قنطرة عليها سلسلة تمنع المراكب من الدخول. قال في التعريف: وبصور كنيسةٌ يقصدها ملوك من البحر عند تمليكهم فيملكون ملوكهم بها، إذ لا يصح تمليكهم إلا منها. قال: وشرطهم أن يدخلوها عنوة، ولذلك لا يزال عليها الرقبة، ومع ذلك يأتونها مباغتة فيقضون أربهم منها ثم ينصرفون، وسكان هذا العمل رافضة لا يشهدون جمعةً ولا جماعة.الثامن- عمل الشاغور- بألف ولام لازمتين وشين معجمة مشددة مفتوحة بعدها ألف ثم غين معجمة مضمومة بعدها واو ساكنة وراء مهملة في الآخر- وهي كورةٌ بين عكا وصفد والناصرة؛ بها قرى متسعة، وليس بها مقر ولاية معروف، وعدها العثماني في تاريخ صفد شاغورين.أحدهما- شاغور النعبة. وهو جبل به قرىً عامرة. قال: والنعبة دير به مصطبة إذ بات عليها من به جنون شفي بإذن الله.والثاني- شاغور غرابة، وفيه عدة قرى؛ وبه مقام أولاد يعقوب عليه السلام، وهو من المزارات المشهورة.التاسع- عمل الإقليم- بكسر الهمزة وسكون القاف وكسر اللام وسكون الياء المثناة تحت وميم في الآخر- وهي كورة بين دمشق والشغر والخربة، بها قرى متسعة وليس بها مقر ولاية.العاشر- عمل الشقيف- بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وسكون الياء المثناة تحت ثم فاء- ويعرف بشقيف أرنون بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم النون وسكون الواو ثم نون في الآخر. قال في المشترك: وهو اسم رجل أضيف الشقيف إليه، ويعرف أيضاً بالشقيف الكبير. وهو حصن بين دمشق والساحل، بعضه مغارة منحوتة في الصخر، وبعضه له سور. وهو في غاية الحصانة وعلى القرب منه شقيف آخر يعرف بشقيف تيرون بكسر التاء المثناة فوق وسكون الياء المثناة تحت وضم الراء المهملة وسكون الواو ونون في الآخر وهي قلعة حصينة من جند الأردن على مسيرة يوم من صفد في سمت الشمال. قال في مسالك الأبصار: وليست من بلاد صفد، وأهل هذا العمل رافضة.الحادي عشر- عمل جينين- بجيم مكسورة وياء مثناة تحت ساكنةٍ ونون مكسورة ومثناة تحت ثانية ساكنة ونون في الآخر- وهي بلدة قديمة متسعة، وهي مركبة على كتف واد لطيف به نهر ماء يجري؛ وهي في الشمال عن قاقون على نحو مرحلة، في رأس مرج بني عامر، وبها مقام دحية الكلبي: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومن أعمالها اللجون. قال في تقويم البلدان: بفتح اللام المشددة وضم الجيم المشددة. وهي قرية قديمة في جهة الغرب عن بيسان، على نصف مرحلة منها. قال في كتاب الأطوال: موضعها حيث الطول سبع وخمسون درجة وخمس وأربعون دقيقة، والعرض اثنتان وثلاثون درجة؛ وباللجون مقام الخليل عليه السلام، وبها ينزل الملوك على مصطبة هناك معدةٍ لذلك. قال في مسالك الأبصار: ومن عملها قدس. وكان معها قديماً السواد وبيسان وخرجا عنها، ثم قال: ومما يذكر فيها حيفا، وهي خراب على الساحل، وقلعة كوكب، وهي التي يقول فيها العماد الأصفهاني: راسية راسخة، شماء شامخة. وقلعة الطور وهي مفردة على جبل الطور؛ بناها العادل أبو بكر بن أيوب ثم غلبه عليها الفرنج فهدمها.قلت: واقتصر في التعريف: على ولاية بر صفد وولاية الشقيف، وولاية جينين، وولاية عكا، وولاية الناصرة، وولاية صور، من غير زيادة على ذلك.القاعدة السادسة من قواعد المملكة الشامية الكرك:وفيها جملتان:الجملة الأولى في حاضرتها:وهي بفتح الكاف والراء المهملة ثم كاف ثانية، والألف واللام في أولها غير لازمتين. وتعرف بكرك الشوبك لمقاربتها لها. قال في تقويم البلدان: وهي من البلقاء وهما؛ وموقعها في الإقليم الثالث من الأقاليم السبعة. قال ابن سعيد: وطولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها سبع وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة وخمس دقائق. وهي مدينة محدثة البناء كانت ديراً يتديره رهبان، ثم كثروا فكبروا بناءه وأوى إليهم من يجاورهم من النصارى، فقامت لهم به أسواق وحرت لهم فيه معايش، وأوت إليه الفرنج فأداروا أسواره فصارت مدينة عظيمة، ثم بنوا به قلعة حصينة من أجل المعاقل وأحصنها، وبقي الفرنج مستولين عليه حتى فتحه صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله على يد أخيه العادل أبي بكر.قال في التعريف: وكانوا قد عملوا فيه مراكب ونقلوها إلى بحر القلزم لقصد الحجاز الشريف لأمور سولتها لهم أنفسهم، فأوقع الله تعال بهم العزائم الصلاحية، والهمم العادلية، فأخذوا، وأمر بهم السلطان صلاح الدين فحملوا إلى منىً ونحروا بها على جمرة العقبة حيث تنحر البدن بها، واستمرت بأيدي المسلمين من يومئذ واتخذها ملوك الإسلام حرزاً، ولأموالهم كنزاً؛ ولم تزل الملوك يستخلفون بها أولادهم ويعدونها لمخاوفهم؛ وهو بلد خصب، بواديه حمام وبساتين كثيرة وفواكه مفضلة. قال في البلاذري في فتوح البلدان: وكانت مدينة هذه الكورة في القديم الغرندل.الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها:قال في التعريف: وحدها من القبلة عقبة الصوان؛ وحدها من الشرق بلاد البلقاء؛ وحدها من الشمال بحيرة سذوم المتقدم ذكرها؛ وحدها من الغرب تيه بني إسرائيل. ولها أربعة أعمال: الأول- عمل برها المختص ببلادها كما في غيرها من القواعد المتقدمة.الثاني- عمل الشوبك- بألف ولام لازمتين وفتح الشين المعجمة المشددة وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وكاف في الآخر. قال في تقويم البلدان: وهي من جبل الشراة، وموقعها في الإقليم الثالث. قال ابن سعيد: طولها ست وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة. وقال في تقويم البلدان: القياس أن طولها ثمانٌ وخمسون درجة، وعرضها إحدى وثلاثون درجة. وهي بلدة صغيرة أكثر دخولاً في البر من الكرك، ذات عيون وجدأول تجري، وبساتين وأشجار، وفواكه مختلفة. قال في العزيزي: ولها قلعة مبنية بالحجر الأبيض على تل مرتفع أبيض مطل على الغور من شرقيه. قال في تقويم البلدان: وينبع من تحت قلعتها عينان: إحداهما عن يمينها والأخرى عن يسارها كالعينين للوجه يجريان للبلد، ومنهما شرب أهلها وبساتينها. قال: وكانت بأيدي الفرنج مع الكرك وفتحت بفتحها، وأقطعها السلطان صلاح الدين مع الكرك لأخيه العادل فأعطاهما لابنه المعظم عيسى؛ فاعتنى بأمرهما وجلب إلى الشوبك غرائب الأشجار حتى تركها تضاهي دمشق في بساتينها وتدفق أنهارها وتزيد بطيب مائها.قلت: وذكر في مسالك الأبصار لها عملين آخرين.الثالث- عمل زغر- بضم الزاي وفتح الغين المعجمتين وفي آخرها راء مهملة- وهي مدينة قديمة متصلة بالبادية سميت بزغر بنت لوط عليه السلام.قال في تقويم البلدان: وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض ثلاثون درجة وكسر.الرابع- عمل معان بضم الميم وفتح العين المهملة وألف ثم نون.قال ابن حوقل: وهي مدينة صغيرة كان يسكنها بنو أمية ومواليهم. قال في مسالك الأبصار: وقد خربت هي وعملها ولم يبق بها أحد، وتعرف بمعان بن لوط عليه السلام. قال في كتاب الأطوال: وهي حيث الطول سبع وخمسون درجة والعرض ثلاثون درجة. قال في تقويم البلدان: وبينها وبين الشوبك مرحلة.
|